كتبت مقالًا قبل عدة سنوات عن «خفافيش الإنترنت»، في جريدتنا الموقرة المدينة، وألحقته بمقال آخر مشابه له قبل فترة ليست بالطويلة تحدثت من خلالهما عن خطورة وسوء استخدام الحاسب الآلي والجرائم التي ترتكب بحقنا من خلاله وهي ما تسمى بالمصطلح الأجنبي (Cyber Crimes). ولكن يبدو أن خفافيش الإنترنت مازالوا يصولون ويجولون بدون حساب أو عقاب بسبب غياب الأنظمة والقوانين الرادعة التي توقف كل شاذ عند حده، وفي المقابل مازال لدينا مغفلون وأغبياء سلموا أنفسهم لهؤلاء الشواذ، وبذلك وقعوا ضحايا لمن استغل الإنترنت ووظفه التوظيف السلبي الإجرامي، والسبب يعود إلى أننا كإعلاميين مقصرون بتبصير وتثقيف وتوعية المجتمع عن مخاطر هذا الحاسوب من قبل شواذ مجتمعنا والمجتمعات الأخرى. ولكن دعونا نبدأ بحسنات الإنترنت ونقول: إنه نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تعد ولا تحصى حين نستخدمه الاستخدام الإيجابي الأمثل في السؤال عن مريض أو قريب أو حبيب أو بعيد، أو التواصل مع خلق الله في هذا العالم الكبير المترامي الأطراف، الذي جعله هذا الحاسوب وهذه التقنية الحديثة قرية صغيرة كما يقال، فبلمسة زر تحقق مبتغاك من حجوزات طيران والحصول على التذاكر الإلكترونية وحجز المقاعد واختيار الوجبات وبطاقات الصعود للطائرة وطلب المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، واختيار وحجز الفنادق وحجز سيارات التأجير، والحجز في المستشفيات والمراكز الطبية المتقدمة، ومراسلة الجامعات المحلية والخارجية للحصول على قبول، أو طلب كتب أو مراجع، أو الاستفسار عن معلومة، أو طلب قطع غيار من المنشأ، أو تعقب شحنة أو بعثية أو إرسالية، أو استخدامه في الطباعة وكتابة الرسائل الجامعية واستخدام الحزم الإحصائية في البحوث، أو التواصل مع المطبوعات الصحفية والقراء، أو نشر المعلومة المفيدة وتثقيف وتوعية المجتمع إلى غيرها من المنافع والفوائد والمزايا والحسنات العديدة، بالطبع هذا للعقلاء من الناس الذين يستغلونه الاستغلال الأمثل، ويستخدمونه ويستفيدون منه أعظم استفادة. وفي المقابل تجد من يجلس أمام الحواسيب لساعات طويلة لمشاهدة الغث منه والدخول إلى المواقع المشبوهة أخلاقيًا والمنحرفة فكريًا، أو استخدامه في تمرير معلومات استخبارية أو شفرة لتجار ومهربي ومروجي المخدرات، والمتاجرين بالبشر وبالنساء والأطفال، أو نشر الرذيلة والفساد في المجتمع، أو بث الشائعات التي تضرب القبائل بعضها مع بعض أو المذاهب والطوائف الدينية المختلفة أو العرقيات من أجل زعزعة أمن واستقرار الشعوب وتمزيق وحدتها الوطنية وتماسك جبهتها الداخلية، أو تمرير المعلومة للجماعات الإرهابية وتمويلها، أو في غسل الأموال المتأتية بطرق غير شرعية من أجل إخفاء أصولها وتحويلها إلى أموال شرعية، أو تهديد من يختلف معه في الرأي ووجهات النظر والفكر والتهجم والتجريح الشخصي عليه، أو تصيد أخطاء الآخرين والتربص بهم، أو نشر الافتراءات والأكاذيب والأحقاد التي تحرض على الفتنة والخروج عن النظام العام. ثم نجد فئة أخرى لديها الميول السادية المتمثلة “بالتلذذ” في تعذيب الآخرين من خلال إلصاق التهم بالأبرياء، ونعتهم بمسميات ومصطلحات هم أنفسهم جاهلون بها وبمدلولاتها ومعانيها كالزندقة والعلمانية والليبرالية والتكفير، إلى جانب هتك أعراض الناس والغيبة والنميمة وغيرها، والأغرب أن هناك مواقع ومنتديات تتصف بصفات إسلامية، مع الأسف، وتستغل الدين الذي يحث على مكارم الأخلاق ويكرم ويسمو عن أفعال هؤلاء المتربصين بمجتمعاتهم وناسهم بالهمز واللمز والغمز، ضاربين بعرض الحائط بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحثنا دائمًا على الستر على خلق الله “فمن ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه يوم القيامة”، وكذلك “الدين المعاملة”، وأيضًا “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” وكذلك “الإحسان لمن يسيء” والموعظة والمجادلة الحسنة، ورسولنا الأعظم - عليه الصلاة والسلام - يقول لنا: “الخير في أمتي إلى يوم القيامة». ديننا الإسلامي الرفيع في كل شيء يردعنا عن فعل كل شيء يضر بالبشر والحيوانات وغيرها من مخلوقات الله جلت قدرته “فإماطة الأذى عن الطريق صدقة” ولكن مشكلتنا أن البعض منا ينظر إلى الآخرين نظرة استعلاء وتكبر بل إنهم يوهمون أنفسهم أنهم هم فقط المطبقون والملتزمون بتعاليم الدين الإسلامي أي أنهم على هدى وغيرهم من البشر على ضلالة!! بل إن البعض يرون أنفسهم أنهم يملكون «صكوك غفران» والعياذ بالله وهم في واقع الحال دخلاء على الدين لا يفهمون منه إلا المظاهر فقط. فعندما ينعت شخص شخصًا آخر أخًا له في الدين بالكفر فمعنى ذلك أن الناعت في «نظره هو» وصل إلى مرحلة الكمال، وأنه منزه عن النقائص والعيوب والعياذ بالله، بل إنه بفعلته هذه يتآلى على الله سبحانه وتعالى باستيلائه على مشيئة الله التي هو ونحن جميعًا تحتها بمعنى أنه والمنعوت بالكفر تحت مشيئة الله، فإن شاء غفر لهما أو أحدهما، وإن شاء عذبهما أو أحدهما، فمهما عمل الإنسان من أعمال صالحة لا تخوله أبدا إلى الدخول إلى الجنة، لأنه يظل تحت مشيئة الله جلت قدرته، وكذلك لا تعطيه الحق بالاستيلاء على حق من حقوق الله ألا وهي «المشيئة» ونعت الآخرين بالكفر والزندقة والعلمانية والليبرالية وغيرها. أما الفئة الثالثة من خفافيش الإنترنت فهم من يقومون بالدخول على حسابات العملاء في البنوك وانتهاك خصوصيتهم، وسرقة بطاقات الائتمان والبطاقات المصرفية، وبيع أدوية فاسدة مغشوشة وبضائع مقلدة لا تتوفر فيها أدنى مستويات الجودة، بل إنه في أحد المنتديات العلمية أشار أحد المحاضرين في موناكو بفرنسا تحديدًا إلى أن هناك من يروج ويبيع من خلال الإنترنت لقطع غيار للطائرات مقلدة ومغشوشة!! لطائرات تحمل أناسًا أبرياء يذهبون ضحية تلك المتاجرة وذلك الإجرام من خلال الإنترنت. وفئة رابعة تسيء استخدام الحاسب، بل وترتكب أفظع الجرائم من خلال الابتزاز للنساء والأطفال والقصر واستدراجهم وإجبارهم على ممارسة الرذيلة أو تصفيتهم، والبعض يتم تخديرهم وبيع أعضائهم فأصبحوا بالفعل ضحايا للتقنية التي استغلت بشكل إجرامي سلبي فبدلًا من استغلال التقنية من أجل إسعاد البشرية وتسهيل أمورها وقضاء حوائجها وتقريب البعيد انقلبت التقنية ذات السلاح ذي الحدين لكي يأخذ الشواذ من البشر السلاح السلبي للتقنية ويلغوا نعمة من نعم الله، وذلك بطمسهم للسلاح الإيجابي وتغييبه. نخلص إلى القول إننا في مجتمعنا مازلنا بأمس الحاجة لقوانين تضبط هؤلاء الخفافيش الخارجين عن القانون وتقديمهم للمحاكمة، وألا يترك الحبل على الغارب لكل شاذ أن يمارس ساديته وفوقيته علينا، وذلك من خلال التعرف على ما هو موجود من أنظمة وقوانين في الدول المتقدمة لنبدأ من حيث انتهى الآخرون وتطبيقها طالما أنها لا تتعارض مع قيمنا الإسلامية، لأن هناك حقوقًا للناس كفلها الإسلام لهم يجب المحافظة عليها وصونها وعدم التعدي عليها والدفاع عنها وإلا فإن المهازل من قبل خفافيش الإنترنت سوف تستمر لأن من «أمن العقوبة أساء الأدب». [email protected]