ليس هناك ما يدل على رداءة الزمن العربي الذي نعيشه ، أكثر من فقدان الطغيان صفة الهيبة ، واكتسابه بدلا منها صفة الابتذال الطغيان لم يعد يثير الفزع بقدر ما أصبح يثير الاشمئزاز . حتى الطغيان نفسه فقد كبرياءه . صحيح أن السوط ما زال في يد الجلاد ، لكن يد الجلاد أصبحت أقصر بكثير من السوط الذي تمسك به . لقد أصبح السوط هو الذي يمسك بيد الجلاد وليس العكس . في عهد ما بعد الاستعمار كان الجلاد يواجه مقاومة من أجيال خبر المستعمر بأسها الذي ألجأه إلى الفرار بجلده وجنوده . اليوم لم يعد الجلاد يواجه مقاومة . لقد أصبحت المواجهة من طرف واحد ، فصعد إلى الواجهة المنافقون الذين انحدروا بالابتذال إلى أقصى الدرجات . حتى الكذب لم يعد محبوكا وذكيا كما كان الحال في زمن محمد حسنين هيكل ورفاقه من أباطرة الإعلام العربي في ذلك الوقت . الكذب الآن لم يعد يدغدغ في الجماهير أحلامهم بالوحدة العربية أو تحرير فلسطين أو منافسة دول العالم الأول في مجالات العلوم والتقنية والصناعة . الكذب الآن أصبح أداة للتسويق لأحلام الفرد في امتلاك سيارة ومنزل ورصيد في البنك . لقد انحطت وظائف الكذب في عصرنا . فبعد أن كان الكذب أداة لمداعبة آمال الجماهير نحو تحقيق مستقبل عظيم ، أصبح الكذب الآن أداة للتعتيم على واقع غارق في البؤس والمأساوية . نحن كعرب لم نعد نتطلع لصناعة مستقبل مشرف أو كتابة تاريخ جديد . لقد أصبحنا لا ننظر إلا تحت أقدامنا . وبين استشراف الأفق البعيد والنظر إلى الأسفل حيث دود الأرض ، مسافة تبلغ سنوات ضوئية من الذل والانكسار والرضا بالأمر الواقع وكأنه قدر لا يمكن رده . في زمن الانكسار العربي أصبح الطغيان مدعاة للسخرية ، وتحولت الآلام بجلالة قدرها ، إلى مرارة تكسو الحلوق لا إلى وجع يكسر الضلوع . الطغيان في الزمن العربي الرديء أصبح أقرب إلى التهريج . وطغيان هذه هي مواصفاته لا بد وأن تستولي على محاولات تسويقه صفات الرُخص والابتذال . وهل هناك ابتذال أكبر من استعماء الناس حتى فيما يخص عدوهم الأزلي : إسرائيل ؟! [email protected]