كان هول الصدمة عليَّ كبيرًا، حين لامستْ عيناي خبر اختيار الله له ليكون أحد الراحلين إليه في هذا اليوم، شعرتُ بكمٍّ كبير من الحزن والأسى، فعلى مثله يَحلُّ سَكبُ المَآقي، وكيف وقد تفرَّد بين أقرانه، وتميّز بين مُجايليه بعديد من الصفات التي ندر اجتماعها في نفس واحدة خلال هذه الأيام، فهو الأديب الروائي الذي ينقلك بخياله العذب إلى دروب مُورِدَة بأفانين الحب والجمال، الواقع والخيال، في صورة درامية رقيقة، تملك عليك كل جوانحك، تأسُرك حتى آخر سطر فيها، وهو الشاعر المسكون بكل صور العشق، وتنهُّدات الزمن الأصيل، عذب الكلمات، واضح المعاني، صادق الإحساس، وهو الإداري الفريد الذي لم يستهلكه روح العمل البيروقراطي، بل كان سهلاً في إدارته، واضحًا في غاياته، بسيطًا في الوصول إليها، وهو السياسي المحنّك الذي لم ينخدع بوهج المنصب للحظة واحدة، ولم يَرتفع فوق السحاب بعيدًا عن أهله وأصحابه.. إنه الأديب الشاعر، والوزير المتفرد، غازي القصيبي، الذي غادرنا بكل اعتزاز وفخر إلى خالقه، وكله شوق ومحبة إلى لقيا حبيبه الرءوف الرحيم، الذي ناجاه بقوله في مرثيته الخالدة: “أحببتُ لقياك.. حُسن الظن يَشفعُ لي أيُرتجى العفو إلاّ عند غفار». نم قرير العين أيُّها الغازي، فمثلك لا يُخشى عليه! ألست أنت الذي شَدَوتَ بأجمل أغنيات الوطن «نحن الحجاز ونحن نجد»، حين تكالبت الهمومُ علينا، فكان لقولك العذب الريادة في تأجيج المشاعر الوطنية بشكل إيجابي منطقي؟! ألست أنت الذي حَفِظتَ الأمانة التي أُنيطتْ بك من قِبل ولي الأمر، فلم تركن وتستكن، بل جاهدت بذاتك ومنطقك لتصحيح ما عاشه الوطن من أخطاء جرّاء تكاسل هنا وإهمال هناك؟! ألست أنت الذي حافظ على شفافيته النقية خلال مشوار حياته العملي، ودون أن تصطنع الأسوار المُغلظة من حولك، حتى لكأنا نعيش معك، ونفكر معك، ونبتئس من كل من قصد محاورتك بالكبريت والنار؟! ألست أنت الذي لم يَبِعْ قلمه، ولم يُدنِّس بسوق الزيف أفكاره؟! نم قرير العين أيُّها الغازي، وتأكد أنك قد حَفرتَ اسمكَ في قلوب مَن عاصرك، لكونكَ قد مَثلتَ، بكل ما سلف، الشخصية الوزارية التي يَأملها أهلك ومواطنوك، وأحبها بلدك الذي نذرت عمرك له، فرحمة الله وبركاته تغشاك وأنت القائل: ويا بِلادًا نَذرتُ العمرَ زَهرته لعِزِّها.. دُمتِ.. إني.. حَانَ إبحاري تَركتُ بين رمالِ البيد أغنيتي وعندَ شاطئكِ المسحور.. أسحاري إنْ ساءلوك.. فقولي: لم أبِعْ قلمي.. ولم أدنِّس بسوق الزَّيف أفكاري وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطلاً.. وكان طفلي.. ومَحْبُوبي.. وقِيثاري [email protected]