تمر منطقتنا العربية خصوصًا والإسلامية عمومًا بمرحلة مفصلية بالغة الخطورة والتعقيد تدق فيها طبول حروب وشيكة بقوة على عدد من الجبهات الإقليمية ستؤثر محصلة الأحداث فيها ليس على أمن واستقرار المنطقة وشعوبها فحسب، بل وعلى الأمن والسلام العالميين، تتعدد فيها المدخلات المحلية والإقليمية والعالمية وتتعدد فيها التوجهات، قليل من تلك التوجهات توفيقية خيّرة تسعى إلى تثبيت الاستقرار النسبي في المنطقة، وإلى تجنيبها المزيد من الويلات، وعلى رأسها جولة خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي التي كان محورها القضية الفلسطينية لمصر وسوريا ولبنان والأردن، والقمة الثلاثية التوافقية ببيروت التي جمعت بين كل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان. وعلى النقيض تمامًا العربدة الإسرائيلية الفعلية والقولية والتحرشات الإسرائيلية المفبركة في سيناء والعقبة وغزة وجنوب لبنان، على قطع شجرة وصل إليها الإسرائيليون برافعة من الجانب الآخر من الحدود وسقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين، ويحمل فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي الحكومة اللبنانية المسؤولية عما جرى. وتحليلات وأخبار وتسريبات، بل حتى وتصريحات لرؤساء دول منهم محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد عن حرب على إيران وسوريا ولبنان في خلال الثلاثة أشهر القادمة أي قبل شهر فبراير موعد الإنتخابات الأمريكية النصفية، وعلى رأي الشاعر: فإن النار بالعودين تذكي.... وإن الحرب أولها كلامُ يفوت دعاة الحرب على إيران وغيرها من دول المنطقة في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي إدارة الرئيس باراك أوباما، وفي إسرائيل أن العديد من الفرضيات في كسب من سيشنون تلك الحروب أن العديد من فرضيات تلك الحروب بالغة الخطورة هي افتراضات خاطئة، بداية فقد ولى -وإلى غير رجعة- زمن الحروب الخاطفة، وفي أرض العدو التي اعتمدت عليها إسرائيل في صراعاتها المسلحة السابقة مع الدول العربية، وخير دليل على ذلك الصمود اللبناني في حرب صيف 2006 م، والتي استطاعت المقاومة اللبنانية وقف التقدم الإسرائيلي لمدة 31 يومًا، وحطمت صورة التفوق الإسرائيلي الخاطف، وبالرغم من الدمار الهائل الذي خلفته الآلة العسكرية الإسرائيلية في كل من لبنان، وفي غزة في حرب 2009-2010م على القطاع إلا أن إسرائيل أخفقت في أمرين: حسم الحرب بفوز عسكري واضح، وفي استثمار فارق قوتها العسكرية الهائل إلى نصر سياسي. الفرضية الخاطئة الثانية هي أن إيران على وجه التحديد ليست قادرة على الدفاع عن نفسها أمام هجمة عسكرية أمريكية إسرائيلية. أحد الأسئلة التي يمكن أن توجه في هذا الصدد ما الذي يمنع أن تكون إيران تملك حاليًا السلاح النووي ليس من صنعها الذاتي، ولكن من مصادر دولية ذات مصالح كبرى في إيران كمثل روسيا والصين التي تبلغ المصالح الاقتصادية في إيران بالمليارات، ناهيك عن أن كليهما يرى في إيران خط دفاع استراتيجي أول أمام توسع النفوذ الأمريكي الإسرائيلي فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد. الفرضية الخاطئة الثالثة هي أن أمريكا تستطيع (تحاول) أن تحتوي نيران تلك الحرب التي تستهدف أول ما تستهدف المرافق النووية الإيرانية، وربما البنية التحتية لإيران وكامل مؤسساتها العسكرية والمدنية والاقتصادية والصناعية ضمن الحدود الإيرانية، فالصواريخ الإيرانية من حيث المبدأ تستطيع أن تطول التجمعات العسكرية الأمريكية المنتشرة في غيرما بلد في المنطقة كما تستطيع الوصول إلى قلب عاصمة إسرائيل وحواضرها الكبرى الأخرى، بل وبالمقابل إلى مفاعلات ديمونا النووية الإسرائيلية بصحراء النقب، وما الذي يمنع في حالة مهاجمة إسرائيل وأمريكا لإيران أن تكون مفاعلات ديمونا على رأس قائمة الأهداف الإيرانية؟ كما تستطيع الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن البحرية الأسرع من الصوت أن تصل لحاملات الطائرات وسواها من القطع البحرية الأمريكية في عرض الخليج العربي في ظرف ثوانٍ معدودات، هذا ناهيك عن أن 60% من الزيت والغاز في العالم ينتج في منطقة الخليج العربي، وأن انقطاعه سيوقف أويكاد عجلة الاقتصاد العالمي إن لم تستطع أمريكا وإسرائيل الحسم السريع. يستدل الاستراتيجيون على أن تلك الحرب الرهيبة الوشيكة حال وقوعها -لا سمح الله- قد تتحول إلى العالمية الثالثة من خلال استعدادات الإدارة الأمريكية لها على المسرح العالمي، وليس على مستوى المنطقة العربية الإسلامية فقط، فالمناورات الأمريكية ونشر الجنود والأنظمة العسكرية الكبرى في الآونة الأخيرة شملت كوريا وبحر اليابان ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي مهددة بذلك الصين، ونشر نظام الدفاع في بولندا، ونظام الإنذار المتقدم في جمهورية التشيك، ونشر القوات البحرية في كل من رومانيا وبلغاريا والبحر الأسود مهددة بذلك روسيا، إضافة لنشر القوات في البحر الكاريبي؛ مما يهدد كلا من فينزيولا وكوبا. وللمرء أن يتساءل: كيف ستتورط أمريكا بحرب ثالثة قد تتحول لحرب عالمية مدمرة، وهي لا تزال تلاقي الأمرين في أفغانستان-باكستان، وفي العراق؟ والجواب هو أن الحروب التي لا تزال أمريكا عالقة فيها لا تشن من منطلقات المصلحة الأمريكية، ولا بناءً على قدراتها الاستراتيجية، بل من أجل إرضاء «شعب الله المختار» الذي لا يرضيه شئ سوى أن تكون البشرية له خدمًا، فالفيل الأمريكي يتحكم فيه الفأر الصهيوني لشن حروب قد نعلم سيناريوهات بداياتها لكن هذه قد لا يعلم أحد غير الله كيف ستنتهي، سوى أن الحضارة على وجه الأرض ستعود آلاف السنين إلى الوراء. [email protected]