كلمة (عيب)..كلمة نتداولها .. ونتبادلها .. ونستخدمها بلزوم ... وفي أحوال كثيرة .. بلا لزوم!! .. فهي كلمة ( مطاطية ) وثوب فضفاض صالح لكل المقاسات!!! حتى أصبحت ديناً يعتنقه البعض .. وأحكاما قاسية لا تقبل العفو .. ولا النقاش !! فما يصح وما لا يصح .. يختلف بحسب الزمان والمكان. وما يعد مقبولاً في زمن يمكن أن يكون غير مقبول في زمن آخر..وكذلك بالنسبة للمكان. وذلك لأن الحكم على الأمور بهذا المنطق يخضع لعقل الإنسان وفكره الذي يتغيّر. فما يحكم عليه شخص أنه (يصح) يمكن أن يرفضه آخر ويراه (لا يصح).. وما يعد مقبولاً في مجتمع قد يكون مرفوضاً في مجتمع آخر. لذا لابد أن يكون الحكم على الأمور بميزان الدين. فهو وحده الصالح لكل زمان ومكان والذي لا يتغيّر تبعاً لأهواء الناس.. وأمزجتهم. لذا كان من الضروري أن يعاد النظر في كلمة (عيب) ووضع ضوابط لها كي لا تختلط فعلاً بالدين فتضيع المسميات والمصطلحات الدينية فنقول على الحرام والمكروه وغير الجائز..عيباً.. فتلتبس علينا المفاهيم وتلتبس علينا الأحكام. مع ضرورة إدراك أن هناك بعض التصرفات التي لا نريد أبناءنا أن يرتكبوها وليس لها علاقة بحرام أو حلال.. ولا صلة بحكم ديني أو شرعي. ولكن دون أن نطلق عليها كلمة عيب في محاولة للهروب من تبريرها وتفسيرها. إذ أن كثيراً من الأمور التي نطلق عليها ذلك الحكم الجاهز (عيب) نحاول ألا نجهد أنفسنا وعقولنا في مسألة تفسيرها.رغم أن توضيح العلة فيها وتبريرنا لرفضها كفيل بأن يجنبنا أخطاء كثيرة في التربية. لأن الطفل الذي نشأ في جو تربوي قائم على رهاب العيب .. ما يلبث أن يكتشف حينما يكبر أن العيب مختلف عما تربّى عليه فقد تربّى على أن العيب هو كل ما يجب اجتنابه وعدم الوقوع فيه.. ثم يكتشف أنه لا يزيد عن كونه تعبيراً عما يرفضه الناس ولا يرضون به. والغريب أننا نعطي أهمية كبرى لكلمة (العيب) ونكسبها جلالاً نزرعه في نفوس أبنائنا أكثر مما نفعل مع الأحكام الدينية (الحرام) و (المكروه) التي غالباً ما نغفلها وكثيراً ما نهمشها .. فتكون نتيجة ذلك أن كثيراً ممن تربى على الخوف من الوقوع في العيب يكون عرضة للوقوع في (الحرام) ولمخالفة الشرع.. ولكنه لا يجرؤ على ارتكاب العيب.. وهذا يدل على خطأ وخلل كبيرين في أسلوب التربية والتنشئة لأننا نربي أجيالاً تعاني (فوبيا العيب) .. ولا تكترث كثيراً للحلال والحرام. ولا تفرّق بين تلك المصطلحات. والفتاة أكثر ضحايا (العيب) الذي أصبح قيداً اجتماعياً يكبل الناس والمجتمع ويعوق عملية رؤية الأمور على حقيقتها، ويجلد الفتاة بمناسبة ودون مناسبة ويعتبرها آثمة إن هي وقعت فيه وهي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن استحقاقها لتلك الاتهامات .. مادامت لم تقع فيما تحرمه النصوص الدينية. إن (العيب) .. مفردة مصدرها عرف وعادات وتقاليد وضعها المجتمع لينظم علاقاته وسلوكيات أفراده.. وهو ضابط أخلاقي لم ينص عليه شرع ولا قانون. ومع ذلك تأصل فينا وتوارثناه وتغلغل في نسيج تفكيرنا حتى بتنا أسيري سلطته التي فرضناها على أنفسنا.. و التي نتمنى أن نجد سبيلاً للخلاص منها. لكن هذا لن يتحقق ما لم نصحح أساليب التربية والتنشئة .. وما لم نعط لكل مفهوم مسماه الحقيقي . أننا لن نستطيع أن نكسر قيود العيب إلا إذا أضفنا لحياتنا شيئاً من الشفافية والمصداقية والقدرة على تحليل الأمور وتفسيرها بدلاً من تغليف عجزنا عن ذلك بكلمة عيب.!