اعترف مؤخراً مدير الشؤون الصحية في جدة الدكتور/ سامي باداود أن لديه قائمة انتظار طويلة من المواطنين خريجي طب الأسنان الراغبين في التعيين داخل مدينة جدة. وعزا السبب إلى عدم رغبة هؤلاء الأطباء في العمل خارج نطاق مدينة جدة. وهنا لا بد من وقفة! فإذا كان هذا حال جدة وحال الرياض والدمام ومكة المكرمة وبقية المدن الكبيرة التي تضم ما لا يقل عن 70% أو 80% من سكان المملكة مواطنين ومقيمين، فماذا بقي من الهجر والمراكز البعيدة التي يمكن أن تستوعب جميع خريجي طب الأسنان، حتى لو رغبوا ووافقوا جميعاً على العمل فيها. وماذا عن الدفعات القادمة التي تتخرج تباعاً كل عام مما سيطيل قائمة الانتظار ويؤكد أن استمرار هذا الوضع هو إهدار واضح لثروة بشرية مؤهلة تكلّف تعليمها وإعدادها مئات الملايين من الريالات. بعض التخمينات تؤكد أن خريج طب الأسنان يكلف الدولة مليون ريال. المزعج فعلاً هو تصريحات المسئولين (التي ضاق بها ذرعاً العم سراج صاحب الشيخ جميل فارسي كبير جواهرجية جدة)، فهي مكتنزة بالأرقام الفلكية المذهلة من طقة: (المشروع الفلاني سيوفر 500 ألف وظيفة)، و(المصنع العلاني سيتيح 400 ألف وظيفة)، وكل هذه الوظائف (على فكرة) لا تتضمن شيئاً لأطباء الأسنان لأن هذه المشروعات العملاقة ليست في مناطق نائية حتماً. ومن التصريحات المدوية تلك التي تؤكد حاجتنا إلى الأطباء لمدة 50 سنة قادمة بما في ذلك (بتوع السنون)، ولذلك لا تستغربوا أن تكون كليات الطب في قائمة أولويات التعليم الجامعي في أي منطقة جديدة، فهي مدعاة للمباهاة ووسيلة لتحصيل دعم مالي أكبر وعلامة برستيج خاصة. أكرر للمرة المليون أن روح الفريق الواحد غائبة تماماً عن أعمال وخطط الجهات الحكومية المعنية، فوزارة العمل في واد، ووزارة الصحة في واد آخر، وبينهما وديان متشعبة تضم مستشفيات خاصة لا تهتم، ووزارة للتخطيط لا تأبه... كل يغرد في سربه الخاص، ولتذهب بقية الأسراب حيث شاءت. كم أنت مسكين أيها الخريج البائس تنتظر شهوراً وأعواماً وظيفة باتت أقرب إلى السراب منها إلى الواقع.