لا يتورع بعض كتّابنا من الكتابة في أي شيء ،حتى ولو لم يكن لهم به معرفة. فيأتون بأفكار تناقض المعرفة والأساليب العلمية، ويشطبون من تاريخنا نماذج مشرقة ورائدة. كل ذلك بسبب الذات المتضخمة التي تزين لهم أنهم قد وصلوا إلى مرتبة بحر العلوم الذي يعرفون فيه كل شيء. وما أُوتوا من العلم إلاّ قليلاً! كتب أحد كتّاب جريدة الوطن -بكتابة ممجوجة ترسّخ القبلية- عن الخطوط السعودية، واقترح نقلها إلى الرياض لتحل مشكلاتها الإدارية الكثيرة. وكأن تغيير الموقع هو الذي يحل المشكلات الإدارية. كيف غفلت بيوت الخبرة والاستشارات الإدارية وإعادة الهيكلة وخبراء القوى العاملة وبناة المؤسسات والشركات عن هذا الحل العبقري؟ على هذا المنوال، هل ستنجح مؤسسة بن عيسى المتعثرة -مثلاً- لو نقلناها من أبها البهية إلى طوكيو؟ ويلوم الكاتب جدة بأنها السبب لأنها مجتمع متجانس. وهذه حقيقة تنطبق عليها وعلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ففي هذه المدن تنصهر القبليات وينشأ المجتمع الواحد الذي نادى به الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- وأبناؤه من بعده، إلى ملك الحوار، ونبذ التفرقة والقبليات المقيتة عبدالله -حفظه الله- وأسأل الكاتب: أين هم أهل جدة الأصليون؟ لو مشى في شوارعها لالتقى فيها جميع قبائل المملكة، وأفخاذها، ومناطق وطننا، وكثيرًا من البلدان المجاورة وجنسيات العالم. ثم يقارن الكاتب بين الخطوط السعودية، وأنها تسير على خطى بترومين وسمارك (سيئتي الذكر)، وكأن المؤسستين الشهيرتين لم تبدآ الصناعة النفطية والبتروكيماوية بالمملكة، أو لم تُنشئا وتُديرا مصفاة الرياض، ومصفاة ينبع المحلية، ومصفاة جدة، وثلاث مصافٍ مشتركة للتصدير في ينبع والجبيل ورابغ، وأعظم خط أنابيب للنفط الخام في العالم، وعشرات محطات تخزين المنتجات النفطية في شتى أنحاء المملكة، وشركة سافكو، ومصنع درفلة الحديد، والمدينة الصناعية والسكنية برابغ. ومصفاتين للزيوت، ومصنعين لخلط الزيوت (زيوت بترومين وزيوت موبيل)، وشركات بتروسيرف، وبتروجيت، وبتروشب للناقلات، وبترونال، وأمدت المطارات والقواعد الجوية بالوقود. وكأنها لم توظف اثني عشر ألف موظف حوالى 90% منهم سعوديون. وكأنها لم تحصل على ميداليتين من أصل أربع ميداليات فقط من القوات المشتركة لتميّزها في عاصفة الصحراء وتحرير الكويت (انظر كتاب مقاتل الصحراء لسمو الأمير خالد بن سلطان، وكذلك الموقع على الشبكة العالمية). كل تلك المشروعات الناجحة والمنتجة إلى يومنا هذا -حتى بعد دمجها مع شركة أرامكو السعودية أو تحويلها إلى شركة سابك- لم تسلم من تشويه كاتب ذي توجه قبلي مرفوض، وشعوذة تنظير، وإنكار تاريخ مشرف لوطننا ولأبنائه المخلصين. لقد وظفت سمارك ما يقارب أحد عشر ألف موظف سعودي، وكان يعمل فيها أكبر نسبة من الحاصلين على الشهادة الجامعية وما فوق بالمقارنة بالشركات السعودية. فدربتهم وأعطتهم الفرصة ليديروا تلك المنشآت الصناعية الضخمة. ولقد كان ذلك هو الإنجاز الآخر لها، والأعظم من الآلات والمنشآت.