لم ينل الرئيس أوباما اي زيادة في راتبه السنوي العام الماضي والبالغ 400 ألف دولار لا غير، أي مليون ونصف مليون من الريالات. وكذلك حال معظم موظفي البيت الأبيض والجهاز الرئاسي البالغ عددهم أجمعين 469 موظفا يقبضون سنويا 39 مليون دولار لا غير. فلسفة أوباما ترفع شعار المشاركة الوجدانية والفعلية من خلال تقديم أنموذج وطني يمارس التقشف الذي تعيشه معظم العوائل الأمريكية هذه الأيام بسبب حدة الأزمة الاقتصادية وارتفاع أرقام البطالة. ولأن الشفافية عنوان الممارسة الديموقراطية الحقيقية، فلا مجال للنفاق والمداهنة، فالأوراق مكشوفة والأرصدة معروفة والخزانة مستقلة لا يستطيع حتى أوباما (بقدره ومنصبه) الأمر بالإنفاق منها دون تخويل نظامي واضح وصريح. فلسفة الشفافية في الإيرادات والنفقات مهمة جدا، وهي مؤشر عالي الجودة لمدى الثقة في النظام السياسي، بل وفي قدرته على إقناع الرأي العام بكل الخطوات والإجراءات المتبعة حين الرخاء وحين الشدة. وحين تغيب شمس الشفافية في الشأن المالي، تكثر الشائعات وتنتشر الأقاويل، ولا يحس الفرد بارتياح واضح لسلامة ما تتخذه السلطات المعنية، خاصة عند الأزمات الكبيرة مثل تراجع دخل الفرد وارتفاع مستوى التضخم وتزايد نسب البطالة والقلق من الحروب في الحدود المجاورة أو البعيدة واشتداد التنافس الدولي الاقتصادي والتجاري والتقني. وحتى على مستوى المؤسسة الواحدة، ترتفع درجة الثقة المتبادلة بين إدارتها العليا وبقية منسوبيها مع ارتفاع درجة الشفافية المصاحبة لكل الإيرادات وكل النفقات. أما الظن بأن التكتم والسرية ممارسة مجدية فلا أحسبه إلا خطأ لا يصب في مصلحة المؤسسة وتقدمها وتحسن أدائها. وكثيرا ما ينظر مواطنو العالم الثالث بحسرة وألم عندما يقارنون وضع الشفافية في بلادهم بوضعها في العالم الأول، فلا يرونها إلاّ ضعيفة وهزيلة كسيحة لا يسندها إلاّ سيل من الشعارات التي لا تصد فسادا ولا تحمي نزاهة ولا ترسخ مبادئ المراقبة والمحاسبة والعقوبة والثواب. ومن هنا فإن مشاوير الإصلاح في العالم الثالث لا بد أن تنطلق من الشأن المالي، فهو أشدها حساسية وأقواها مؤشرا وأعدلها حكما. وما عدا ذلك يصبح صرخة في واد سحيق، أو سراب يحسبه الظمآن ماء. [email protected]