تحتاج المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية قبل أي قرار جديد يصدر عن السلطة الفلسطينية باستئنافها على الصعيد المباشر إلى إجراء مراجعة شاملة لمسيرتها الطويلة لمعرفة ما إذا كان بالإمكان لهكذا مفاوضات إذا ما استؤنفت تحقيق نتائج إيجابية على صعيد تحقيق رؤية الدولتين، لا سيما في ظل التراجع الأمريكي مؤخرًا بعدم الربط بين تجميد الاستيطان وبين المفاوضات المباشرة. الحقائق الماثلة على الأرض تؤكد أن حجم الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس العربية تضاعف عدة مرات منذ بدء المفاوضات في بداية التسعينيات، كما تمكنت إسرائيل خلال ذلك من بناء الجدار الفاصل، واغتيال العديد من القادة الفلسطينيين، وشن العديد من المذابح والاعتداءات على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وحيث صعدت كافة تلك الانتهاكات والممارسات القمعية بحصارها قطاع غزة وعملية الرصاص المصبوب التي راح ضحيتها أكثر من 1600 قتيل غالبيتهم من المدنيين. القرار الفلسطيني باستئناف المفاوضات المباشرة أو عدم استئنافها ينبغي أن يأخذ في الحسبان التراجع في الموقف الأمريكي الذي اتضح خلال زيارة نتنياهو لواشنطن الأسبوع الماضي الذي جاء مراعاة لضغوط المرشحين الديمقراطيين الذين يحتاجون لدعم القوى اليهودية الفاعلة في المجتمع الأمريكي في انتخابات الكونجرس النصفية، وأن يأخذ في الحسبان ارتباط الموقفين الأمريكي والإسرائيلي بالانتخابات والأجندة الحزبية للدولتين اللتين أثبت لقاء أوباما – نتنياهو الأخير أن التحالف الاستراتيجي بينهما غير قابل للانكسار، حتى وإن كان على حساب المصلحة الأمريكية، حيث تبخرت كافة التصريحات التي أطلقها أوباما ومساعدوه خلال الأشهر الماضية مثل قوله بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي «مصلحة أمنية قومية حيوية للولايات المتحدة» ،وقول نائبه بايدن لنتنياهو بأن سياسات إسرائيل تهدد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وقول الجنرال دافيد بتريوس إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يعتبر عقبة أمام انتهاء الحرب في العراق وأفغانستان. مراجعة جدوى المفاوضات والتوصل إلى قرار حاسم إزاءها يتطلب أيضًا بحث البدائل المتاحة التي تختصر الطريق إلى الدولة الفلسطينية التي أثبتت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة أنها مضيعة للوقت والجهد بما يؤدّي إلى تقزيم القضية الفلسطينية وجعلها في النهاية مسألة خلاف محصورة فقط بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.