الزميل الثمالي.. الأستاذ المثالي

اختطف القدر الأسبوع الماضي زميلاً عزيزاً علينا في جامعة أم القرى نذر نفسه لخدمة بلاده فكان نعم المربي ونعم الاستاذ الجامعي، حباه الله الأدب والخلق الجم اللذين تحلى بهما، فلم يعرف عنه الا السيرة العطرة، كان متصالحا مع نفسه ومع الآخرين. جمع بين الاصالة والمعاصرة في تعامله الأكاديمي وخدم جامعته في مواقع عدة كان آخرها وكيلا للجامعة للتطوير الجامعي، قضى حياته الأكاديمية في مناخ علمي سعى على تهيئته مع زملائه وأوجد علاقات متميزة مع كل أقرانه وحرص على توثيق صلته بطلابه وطالباته وهم يشعرون بفقدانه حيث كان نعم الأب ونعم الموجّه لهم وظلت علاقته بهم متميزة حتى بعد تخرجهم، يعد الأستاذ الدكتور محمد بن مصلح الثمالي من النماذج المشرفة لمهنة التدريس الجامعي، بل يعد من أشهر الأساتذة حبا لطلابه وطالباته، كيف لا وهو يعرف أن هؤلاء هم بضاعة الجامعة وكل المرافق والتجهيزات والكوادر التعليمية والمساعدة قامت من أجلهم، إنه بذلك يجسد وظيفة الجامعة التي تجعل الطلاب والطالبات هم المحور الأساسي لها. لعل ما يميّز الفقيد عن غيره حرصه على الابتعاد عن الشللية المقيتة التي تعصف دوما بالأستاذ الجامعي، فقد اختار لنفسه أن يكون مستقلا، متميزا بانضباطه في العمل والصدق والإخلاص فيه، فهنيئا له ما زرع وحصد، وحقق وأنجز ولازلت أذكر له موقفه المتصلب هو وزملاؤه إزاء رغبة الجامعة آنذاك في دمج أقسام الجغرافيا والتاريخ والحضارة والخدمة الاجتماعية في قسم واحد بمسمى قسم العلوم الاجتماعية ثم تجميد القبول فيه لمدة 3 سنوات ثم يعاد النظر في القرار في ضوء الاحتياج وكذلك دمج كليتي الدعوة والشريعة في كلية واحدة حيث يفيض خريجوهما عن احتياج المجتمع، مما عرّضهم للبطالة، ففوجئنا بالزملاء د. رمزي الزهراني، د. معراج مرزا، ود. محمد مصلح الثمالي- يرحمه الله- بتقديم برنامج وحدة المعلومات الجغرافية والذي يمكن من خلاله إطالة مدة بقاء قسم الجغرافيا على الساحة. وهذا ما انتهى إليه الأمر، ثم توّجوه بافتتاح معالي وزير التعليم العالي له، فكانت الرسالة الضمنية أن قسم الجغرافيا سيظل في مأمن من رياح التغيير التي لم تكن تستهدف سوى المصلحة العامة. وهو إذ يودّع دار الفناء نشعر بكثير من الألم على فراقه، نسأله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، وعزاؤنا إلى كل أهله ومحبيه وجامعته التي بادلته الحب وستظل دوما تذكر أعماله ومواقفه المشرفة، ويعد أخي محمد غفر الله له من اولئك الرجال الذين اسهموا في النهوض بهذه الجامعة لتتبوأ المكان الذي تستحقه بين صفوف الجامعات. رحم الله الاستاذ الجليل الدكتور محمد بن مصلح الثمالي ومتّعه بجنات النعيم وأثابه على كريم ما قدم وأخلص لطلابه وطالباته وزملائه وزميلاته، وسيظل دوما في قلوبنا.