استمرارًا لما ختمتُ به مقال الأسبوع الماضي، لا أعتقد أن أحدًا يشك اليوم في أن الرياضة أصبحت صناعة كبيرة ومعقدة. وأنها ذات مردود مادي واقتصادي عظيم. فليست المكاسب المالية الكبيرة وحدها، هي التي تجعل الدول تتنافس على شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم، أو الألعاب الأولمبية، بل العوائد الأخرى التي تجنيها الدول المنظمة. ولعل أهمها تعريف العالم بالبلد، وتاريخه، ومنجزاته، وثقافته، والدعاية الإعلامية له، وإبرازه بين الأمم، والجذب السياحي، والضخ في الاقتصاد الوطني. كل ذلك يجعلنا نتعجب من عدم تطوير الرياضة عندنا لنبلغ المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي العالمي لها. وما يزيد من العجب أن قاعدتنا الشعبية للرياضة أصبحت كاسحة. فمعظم الشباب السعودي مولع لدرجة الهيام بكرة القدم. وكما هو معروف أن المملكة بلد شاب، فمعظم المواطنين فيه من الشباب. فهذا الحب الجامح هو في الواقع حب جاهل وغير مقنّن. لماذا؟ لأننا لم نطور الرياضة في شكلها الكلي، فاهتممنا بكرة القدم فقط، ولم نطور الاهتمام بالألعاب الأخرى. فكرة السلة مثلاً تعاني حتى في النوادي الكبيرة، والدليل انحصارها في عدد معين من النوادي. وكرة الطائرة، والسباحة، وكرة الماء، والألعاب الأخرى أشد وأعظم إهمالاً. حتى كرة القدم التي حظيت بمعظم اهتمامنا، إن لم يكن كله، في تراجع مستمر في المنافسات الدولية. لقد كان أكبر إنجازاتنا في كأس العالم عام 1994م، ثم بدأ مستوانا يتراجع باستمرار منتظم في كل كأس عالم شاركنا فيه بعد ذلك، حتّى حُرمنا من المشاركة في كأس العالم الحالي. هذه ليست صدفة، أو سوء حظ، ولكنه تطور طبيعي لمنجزات العقلية والكيفية التي ندير بها هذا الجانب. لا ينكر أحد أن هناك مبادرات ومبالغ مالية فلكية قد تم اعتمادها، ولكن الإنجازات والمردود لكل ذلك ليس على مستوى الاعتمادات، أو النيّات، أو الآمال. والسبب لأننا لا نتعامل مع طموحاتنا بشكل علمي، وتطويري، ومنطقي، وتخطيطي.