إذا كانت السياسة أداة لتفريق الشعوب والأمم فإن الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، أثبتت أنها الوسيلة الأكثر فاعلية للتقريب بين شعوب وأمم الأرض. أنظروا الآن إلى ما يحدث في جنوب إفريقيا، وتأملوا في العدد الكبير من الجنسيات التي ينتمي إليها المتواجدون في هذه الدولة الإفريقية لحضور المونديال، وستعرفون أن كرة القدم يمكنها أن تردم الهوة التي يفتعلها السياسيون بين الشعوب، كما يمكنها أن تذيب المسافات الكبيرة والحواجز المصطنعة بين بني البشر. الناس مع كل مونديال يجمعون على حب الحياة والرغبة في تذوق فنون الكرة في تظاهرة كونية يحكمها منطق التنافس الشريف لا منطق الصراع المدمر والخارج عن الاحتكام لأية مرجعية أخلاقية. ورغم أن كأس العالم يعزز الشعور بالانتماء الوطني والهوية القومية لكل شعب من الشعوب، فإن المناسبة الكروية العالمية الأضخم تكرس الولاء لجماليات اللعبة على حساب كل شيء آخر، ولا تترك مجالا لتغذية العصبيات القومية العمياء. من منا لا يتفاعل مع موهبة ميسي ولا يعتبر أنه ملك للبشرية كلها وليس ملكا لبلاده الأرجنتين فقط؟ من منا لا يحب روبن وسواريز وتيفيز وكريستيانو رونالدو وشنايدر ومايكون وروبينيو وكاكا وهوندا ومسعود أوزيل وبارك جي سونغ وهيجوايين وشفانشتايغر وآسي مواه وإيليا وديفيد فيا وتشافي وسانشيز؟ كرة القدم تجمع بين الناس وتوحدهم على حب الجمال والمتعة أيا كان مصدرهما. وإلا فكيف نفسر وجود مئات الملايين من مواطني دول العالم المختلفة الذين يشجعون منتخبات الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وهولندا وإسبانيا؟ المونديال أيضا هو أفضل وسيلة لتعريف الشعوب ببعضها البعض ولنشر الثقافات القومية على أوسع نطاق ممكن. وإذا كانت الآداب والفنون تؤدي الدور نفسه ولكن بين النخبة، فإن كرة القدم قادرة من خلال كأس العالم الذي يعتبر أداتها الأهم، على أداء الدور نفسه ولكن على نطاق شعبي واسع وبين قطاعات جماهيرية كاسحة. انظروا فقط إلى الرواج الذي لقيته آلة الفوفوزيلا الجنوب إفريقية بين جماهير جميع المنتخبات في كأس العالم، وستعرفون مدى قدرة كرة القدم على نشر ثقافات الشعوب وممارسة دور الدعاية والتقريب بين بني البشر كما لا يمكن لأية وسيلة أخرى أن تفعل. كرة القدم هي أفضل سفير للمحبة والبهجة، وهي قناة التعارف الأولى بين البشر.