دومًا ارتبط التجديد بالزمن.. بمعنى أن المتقدم من المبدعين في الزمن يعطي أفضل من الذي سبقه. وهذه نظرية صحيحة ولكن ليس على إطلاقها.. فالعباسيون من الشعراء أعطوا أفضل من الأمويين ومن الجاهليين الذين سبقوهم. وحقًّا فإن الزمن في تقدمه يعطي للشاعر أبعادًا ورؤى جديدة لم يكن يتمتع بها من سبقه. لكن القضية – كما أرى – لا تتعلق “بالزمن” كبعد مهم هنا، وكمحور أساسي في الموضوع بل هي متعلقة “بالموهبة” و”الاقتدار”. والموهبة تختلف من شاعر إلى آخر.. فموهبة المتنبي أوضح وأظهر وأقوى من موهبة أبي نواس.. وكلاهما شاعر مجدد وموهوب وبارع؛ لكن فوارق الموهبة لا بد أن يشار إليها..!! وبالعودة إلى مبدأ “التجاوز” وارتباطه “بالزمن” يمكن لهذه المعادلة ألا تطرد كما قلنا، “فبدوي الجبل” لم يتجاوز بشار بن بُرد.. والجواهري لم يتجاوز مسلم بن الوليد ولا أبا نواس.. وأحمد شوقي لم يتجاوز “امرأ القيس”... ونازك الملائكة لم تتجاوز “أبا تمام” وهكذا لا تطرد معادلة “التجاوز / الزمن” على كليتها..!! وبناء عليه فالمفروض النظر إلى مقدرات الشعراء، ومواهبهم وثقافتهم ورؤاهم التجديدية في هذا السياق، ليصبح الشاعر الأكثر والأوضح موهبة والأفضل رؤية والأعمق ثقافة هو المجدد من خلال سياق الزمن بعامة حيث تنعدم فكرة القديم والجديد زمنًا، وتتعمق فكرة الموهوب الظاهرة ولنقل الشاعر النادر الذي يبحث عنه الزمن والشعر دومًا وأبدًا ...!!