على أرض الواقع ليس هناك وجود للمقولة الشهيرة: «الجمهور عاوز كده». هذه المقولة اخترعتها وسائل الإعلام لتضليل الناس ولصرف انتباههم عن دورها في توظيف الفنون لأغراض سياسية. الجمهور في كل مكان يُصنع ولا يصنع شيئا. فالجمهور بطبيعته لا يستطيع مقاومة أسلوب الإلحاح الذي تستخدمه وسائل الإعلام لفرض طراز معين في الموسيقى أو لتسويق نوعية محددة من الأفلام والبرامج التلفزيونية. الملاحظ أن التسطيح ومخاطبة الغرائز أصبحا القاسم المشترك بين جميع القوالب الفنية والأدوات الترفيهية التي يقوم الإعلام بشكل عام والتلفزيون بشكل خاص، بدور الحاضن لها. وأرجو أن ننتبه هنا إلى أن تعبير (مخاطبة الغرائز) لا يتوقف عند حدود الجنس وحده، وإنما يتجاوزه للغرائز البدائية الأخرى، وأبرزها الرغبة في ممارسة العنف. لقد وصلت الرغبة في ممارسة العنف والتلذذ بمشاهدته وممارسته إلى معدلات قياسية بسبب الغضب المتراكم لدى الفرد. وهو غضب ناجم عن الضغوط النفسية الناتجة عن طبيعة الحياة في المجتمعات الرأسمالية. ووسط هذا التكريس للغرائزية من ناحية وللتسطيح من ناحية أخرى، يصبح الوصول إلى تغييب الجمهور هدفا يسهل الوصول إليه بالنسبة لأصحاب الأجندات السياسية من القائمين على أجهزة الإعلام وشبكات التلفزيون الضخمة. تخيلوا معي مثلا مستوى وعي وثقافة الجمهور الذي يتابع سهرة تلفزيونية تعرض لأدق تفاصيل حياة امرأة كهيفاء وهبي، وستعرفون عندها كيف يتم تمرير أضخم الأكاذيب على هذا الجمهور. وبالنسبة للغرب فإن الشيء ذاته ينطبق على جمهور موسيقى البوب والراب وباقي الصرعات الحديثة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك السينما التي تقدم العنف كوسيلة للترفيه وتؤسس بالتالي لمزاج عام تسوده العدوانية، فإننا سنقف على حقيقة أخرى تتمثل في صناعة جمهور يسهل تعبئته وشحنه بأقصى مشاعر الكراهية ضد أي طرف أو بلد أو حتى أيديولوجية بعينها. ومهما قيل عن أن صناعة الترفيه أصبحت مجالا خصبا للاستثمار المالي، فإن التوظيف السياسي يظل الغاية الأولى من وراء صناعة الترفيه. صحيح أن صناعة الترفيه تدر أرباحا طائلة للقائمين عليها، لكن هذا لا ينفي عمق الصلة بين الشركات الكبرى المتخصصة في هذه الصناعة، وبين القائمين على صناعة القرار في البيت الأبيض. الترفيه أداة سياسية قبل أن يكون وسيلة من وسائل الاستثمار.