كل من عاش خارج المملكة في دولة عربية او اجنبية، يعلم حق العلم ان نظام القروض المعمول به في بنوكنا وبعض المؤسسات الائتمانية الاخرى نظام غريب عجيب يكاد لا يماثله نظام آخر في العالم، والمهم في ذلك كله هو ان القرض لو كان قرضاً عادياً بالفوائد او كان بنظام المرابحة او التورق او سوى ذلك من التسميات العجيبة الغريبة، فان ضحيته واحدة: المواطن، فهذه النسب التي تتنافس فيها اليوم البنوك المختلفة، رغم انها تبدو ضئيلة نسبياً ما بين 2.5 و3.5%، الا ان الواحد منا ينسى او يتناسى انها تراكمية وثابتة بمعنى ان نسبة الارباح السنوية مثبتة على كامل المديونية التي صرفت للعميل منذ بداية التعامل، ورغم انه يسدد منها الكثير على مدى السنوات، الا ان البنك يظل يتقاضى نسبة ربحه كما هي حتى لو تبقت مائة ريال من المديونية، والادهى والامر من ذلك كله ان المدين لو “فُرِجت” عليه بعد تسديد دام سنوات، واقدم على التسديد المبكر لِما تبقى عن سنة او سنتين قادمتين، فان الحسم الذي يعطيه له البنك عن ذلك لا يكاد يذكر وحين يسأل عن سبب ذلك يقال له: ان البنك يحصل معظم ارباحه في السنة او السنتين الاولىين، وهو لغز غير مفهوم واكل لاموال الناس بالباطل وخديعة للمدينين عياناً بياناً، ولا يجوز لاحد الاعتراض عليها ومعناها باختصار ان الارباح ان كانت 15% مثلاً وينبغي ان تحصل حسب العقد في مدة خمس سنوات، فإن البنك يحصلها من تلقاء نفسه في السنة او السنتين الاولىين لكي يبقي المدين تحت رحمته ويجبره على الاستمرار في التسديد الشهري الذي ترتبط به امور كثيرة يستفيد منها البنك كتحويل الراتب وبطاقات الائتمان وسواها. وليست تلك المعاناة الوحيدة للمواطن مع البنوك، بل إن معاناته الكبرى ان هذه القروض ما عادت تعينه على حل اكبر مشكلاته وهي مشكلة السكن، ومعلوم ان نسبة السعوديين الذين يملكون مساكنهم لا تتجاوز 30% حسبما ذكرت مصادر صحفية واعلامية وان اراد المواطن الحصول على قرض من احد البنوك لشراء سكن فإنه يصطدم بعقبة كأداء وضعتها في وجهه أنظمة القروض، بدعوى حمايته من الفقر والإفلاس والعجز عن سداد الدين، هذه العقبة هي أن القرض ينبغي أن لا تتجاوز مدته خمس سنوات وأن لا تتجاوز قيمة القسط الشهري ثلث راتبه، ومعنى ذلك أن المبلغ الذي سيحصل عليه لن يكون كافياً لشراء سيارة قبل أن يكون كافيا لشراء سكن في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار مع العلم بأن هناك مؤسسات إقراض عقارية أخرى تشارك فيها بعض البنوك يمكن ان تعطي للمواطن قرضا قد تصل مدته إلى خمسة وعشرين عاما، واذا كان راتبه عاليا فيمكن أن يصل القسط إلى 50% من الراتب. ولكن هذه القروض تكون بنسبة تصل الى ضعف النسبة التي تحددها البنوك في القروض النقدية بمعنى أن قيمة العقار قد تصل الى الضعف في نهاية المدة او يزيد، ناهيك عن أن العقار يسجل باسم الجهة المقرضة، ويكون المواطن مستأجرا للعقار مع (وعد) بالتملك في نهاية المدة، فكأنه بقي مستأجراً لبقية عمره، وقد يكمل ورثته دفع الايجار. ويتضح من هذه الازدواجية بأن النتيجة من هذه الأنظمة جميعا ليس حماية المواطن من الوقوع في الديون، بل النتيجة تحقيق أكبر قدر من الأرباح للبنوك والشركات وتوفير نظام سداد آمن لها وليس آمناً للمواطن. ومن أغرب القواعد المرتبطة بالقروض كذلك ربطها بسنّ التقاعد إذ تحدد سنوات القرض بما تبقى من الخدمة للموظف الذي قضى كل عمره في جهاد ومجاهدة وإخلاص في خدمة وطنه ليصل الى الستين وهو لا يملك بيتا يؤويه، فإذا تقدم لقرض بعد أن يتجاوز الخمسين حددت سنوات السداد ببلوغه الستين ومرة أخرى ليس خوفا عليه، بل خوفا على أموال البنك وأرباحه. وعدا ذلك كثير مما يجعل المواطن مقيدا ومربوطا من كل جهة. فنظام القروض المعمول به هذه الأيام يقضي بربط كل الديون والمستحقات على المواطن ببعضها بحيث لا تتجاوز ثلث راتبه مهما علا راتبه، فإذا تقدم لقرض حسمت من مبلغ القرض مبالغ بطاقات الائتمان التي لديه حتى لو كانت غير مستعملة، وكذلك أي اقساط اخرى عليه كأقساط سيارة أو سواها، وكل ذلك يجعل القرض لا يسمن ولا يغني من جوع فلنساعد المواطن المطحون الذي اصبح امتلاك مسكن له حلما يصعب تحقيقه، وما لم يُساعَدْ في عهد الخير والنماء والازدهار فمتى يساعد؟.