في خضم انشغال العائلات والأسر بهموم الحياة اليومية ذات الإيقاع السريع ، وجد غالبية الشباب فرصة سانحة للتحرر من رقابة الوالدين وانطلقوا في أماكن التجمعات الشبابية يعيدون تشكيل طبيعة علاقاتهم مع المجتمع على أساس «الشلة» أو البشكة ، وبات اغلب الشباب يختار أصحابه على هواه لأنه لم يختر والديه أو أقاربه، وصار من المألوف أن تسمع شابا يشكو لصديقه من أخيه أو أبيه ، ومع تنامي ظاهرة التفكك الأسري صارت «الشلة» هي البديل العصري للأسرة ، مما ينذر بانقلاب اجتماعي قد يؤثر على مفاهيم القيم العائلية لدى الشباب فتصبح الشلة هي اللبنة الأولى للمجتمع . «الشلة وفرت لي خصائص لا انعم بها في البيت» ، بهذه الجملة ابتدر سعيد حلواني (طالب جامعي) حديثه عن شلته ، مؤكدا أنه أثناء تواجده مع رفاقه يتمتع بحرية التعبير والمشاركة في الرأي وصناعة القرار دون أي قيود ، فضلا عن الترفيه ، وأضاف « هناك عوامل نفسية تؤدي إلى «الشللية» أهمها الشعور بالتوافق بين أفرادها وانعدام التميز الطبقي ، فالشلة لا ترتبط بمفهوم التقارب الطبقي ، مؤذٍ بالفطرة وخبير في صناعة المقالب ، بهذه النعوت وصف على سيد (22 عاما) شخصية «احمد» أصعب زملائه في الشلة ، وأضاف « رغم انه يسبب لنا الكثير من المشاكل والإحراج من خلال مقالبه التي ينفذها فينا بشكل دوري ، لكننا لم نستطع أن نخرجه من الشلة فقد تعودنا عليه والطعام لا يحلو من غير ملح . أما سعود الغامدي (23 عاما) ، فلم يخفِ انبهاره بأعز أصدقائه في الشلة والذي كان ، حسب وصفه شخصا دبلوماسيا وهادئا جدا ، يقدم النصيحة بالمجان لكل شباب الشلة ، وتابع «نطلق عليه حكيم الشلة لأنه نال ثقة جميع الأفراد ، وبات مستودع أسرار الشلة والمصلح الذي يحل كل الخلافات» . إلى ذلك ، أكد خالد العتيبي (طالب ثانوي) أن الشلل لا تخلو من شخصية «النشمي» وهو الشخص الذي يقوم بأداء الواجب عنك أثناء غيابك أو يؤمنك من خطر أو أذى ينتظرك، بالواضح يعني «يغطيك» إذا تغيبت عن الحصة مثلا ، ومتفقا مع العتيبي قال محمود الشهري (25 عاما) إنه فخور لان جميع أعضاء شلته من هؤلاء «النشامي» ويروى الشهري انه في أحد الأيام سافر إلى مدينة أخرى ولم يعد للبيت ، فقامت والدته بالاتصال ب 3 من أصحابه، الأول أقسم لها بأني كنت نائما عنده وخرجت الصباح.. والثاني أكد لها أنى كنت عنده وخرجت قبل قليل .. والثالث قال لها إني نائم ولن يتمكن من ايقاظي !في غضون ذلك ، أعرب حسن محمود (24 عاما) عن سعادته لوجود «نبيل» ضمن أصدقاء شلته فهو حسب وصفه شخصية «الوناسة» خفيف الدم لا تفارقه الضحكة والابتسامة حتى في أحلك الأوقات، يقوم بإلقاء النكت بطريقة تضحك حتى وإن كانت بايخة ، وله القدرة على إخراجنا من أي حالة حزينة ، ويضيف حسن محمود بالقول « زميلنا نبيل لديه حس فكاهى عالٍ وقدرة على القاء النكات وبالرغم من نقده اللاذع فهو في الغالب يهرب من همومه ويدفنها في الضحك حتى لا يفكر فيها» . اما زعيم الشلة فهو ذاك الشخص الذي له القدرة على جذب اهتمام الآخرين ، هكذا قال مصطفى محمود (طالب جامعي) واصفا نفسه بأنه كان وما زال زعيم شلته ، مضيفا « أيقنت من خلال التجارب أن موقع الزعيم ليس سهلا فهو عبء ومسؤولية مستمرة لأن المحيطين بك لو أحسوا بخواء الزعيم أو بأي نقصان في عطائه سيبحثون عن غيره ،وموافقا مع هذا الطرح قال سلطان على (24 عاما) كلما خفف الإنسان من حمولته البشرية في الحياة صار أكثر سعادة وحرية ، إلا ان سلطان استدرك بشيء من الحسرة « لأني كنت مطيعا وغير متمرد أصبحت خارج كل الأسراب التي مررت بها منذ دخولي مرحلة الشباب وحتى الآن، وعندما أرى مجموعة أصدقاء مجتمعين تنتابني أحيانا الحسرة على متع الشلة المفقودة» . وفي السياق يرى محمد الغروي ، الأستاذ بمدرسة ذي النورين الثانوية والمهتم بالأمر الشبابي ، أن هناك ثمة نصائح لابد أن تقدم للشباب المقبلين على تكوين صداقات جديدة ، أولها تنبيههم بعدم الحرص على انتقاء من يشبهونهم في الطباع ، فكثيرا ما تكون العلاقات أقوى وأفضل عندما يكمل طرفاها الآخر ، وفيما يتعلق بتخوف الأسر والعائلات من وجود «صديق سوء» في حياة ابنهم ، أوضح الغروي أن على الأسرة التعامل بهدوء وذكاء مع هذا الوضع وتفهم عقلية الشباب التي تميل للاستقلالية في هذه السن .وشدد الغروى على ضرورة تحدث الوالدين إلى الأبناء عن صداقتهم التي لا ترضيهم من خلال فهم أسباب إعجاب الابن بهذه الصداقة ، كسؤاله «كيف تعارفتم» «كيف تقضون أوقاتكم» بالإضافة إلى محاولة الاقتراب من أصدقاء الأبناء ومصاحبتهم للتعرف على طرق تفكيرهم ، وعدم الخجل من ذلك ، باعتبار أنه ضرورة لأن هذه الجماعات تلعب دورا خطيرا في تشكيل شخصية الشباب.