يشكّل تمسّك المملكة بثوابتها التي وضع أساسها القائد المؤسس الملك عبدالعزيز أهم سمات السياسة الخارجية السعودية. ولنا أن نذكر بهذا الصدد كيف أصر على تعيين د. رشاد فرعون سفيرًا له في فرنسا، رغم رفض باريس باعتباره أحد أبرز الرموز السياسية في المقاومة الوطنية السورية ضد الانتداب الفرنسي على سوريا، وحيث لم يتزحزح عن هذا الطلب قيد أنملة حتّى استجابت فرنسا لطلبه. وقد ظلّت القضية الفلسطينية تحتل الأولوية في السياسة الخارجية السعودية منذ بدء الهجمة الصهيونية الشرسة على فلسطين، تحديدًا خلال معاهدة جدة التي عقدها مع الإنجليز عام 1927م، والتي لم تحصل بريطانيا فيها على ما كانت تصر عليه في شأن تضمين المعاهدة وضعها الاستعماري في فلسطين؛ بسبب موقف الرفض القاطع الذي أبداه الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- إزاء هذا الطلب. لا تزال المملكة منذ ذلك الحين، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- تقدم كافة أشكال الدعم والتأييد للشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، رغم الضغوطات الاستعمارية والصهيونية، اقتناعًا منها بعدالة هذه القضية، وإيمانها بدورها الريادي في خدمة قضايا أمتها، باعتبارها قبلة المسلمين، ومحجهم، ومعتمرهم، ومهوى أفئدتهم، إلى جانب أن أحد أهم مبادئ وركائز السياسة الخارجية السعودية احترام المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية، والعمل على تطبيقها من قِبل كافة دول العالم دون استثناء، وهو أحد أهم العوامل التي أكسبت المملكة تلك المكانة المحترمة التي تتمتع بها في مجتمعها الدولي. لذلك فإن تهديد وزير خارجية إسرائيل مؤخرًا بشن حملة إعلامية وقانونية دولية ضد السعودية، وفقًا لما تداولته المصادر الإعلامية الإسرائيلية بهدف محاولة إثناء المملكة عن مواصلة هذا الدور، إنما يكشف عن محاولة يائسة هدفها تغطية الحقائق بغربال التضليل الإسرائيلي، ولا يمكن أن يخرج عن توصيفه الحقيقي كإفلاس سياسي في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة للسياسات والانتهاكات والجرائم الإسرائيلية الصارخة، التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، الذي سرقت أراضيه، وشرد أبناؤه، واغتصبت مقدساته. المملكة التي عبّرت عن رؤيتها الحكيمة لحل القضية الفلسطينية من خلال المبادرة العربية للسلام لا يمكن أن تتراجع عن مواقفها، أو تتنازل عن ثوابتها.