كان مفوض الاعلام فى حركة فتح والقيادى البارز والمثير للجدل محمد دحلان أقل تفاؤلاً إزاء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل التى انطلقت الاحد الماضى واعتبرها فى حوار أجرته معه “المدينة” مجرد اختبار لنوايا رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو .. وقال : لن نذهب إلى مفاوضات مباشرة فضفاضة، وإذا اعترف نتنياهو بحدود دولتنا سنقول له شكراً.. وكعادته شن دحلان هجوماً لاذعاً تجاوز حماس ورئيس مكتبها السياسي إلى الجامعة العربية وبعض المسؤولين والمثقفين والصحفيين العرب الذين اتهمهم بتزوير مقولات مغلوطة شجعت حماس على الاستمرار فى “التدلل”، بحسب تعبيره. وأكد دحلان أنه “لا توقيع لاتفاق المصالحة خارج مصر “، وتساءل مستنكراً: هل سينفذ الاتفاق فى "قم"؟. المصالحة ومشعل وإيران * لنعد إلى الحوار الفلسطيني.. الملف المزمن الذي يرى البعض أنه كان محكوما عليه بالفشل بسبب اختلاف الأجندات بين فتح وحماس، ورغم ذلك استمرت فتح فى الحوار .. لماذا ؟ لا .. لنكن صريحين .. أقسم بالله العظيم أنه ما كان هناك مواطن عربي مقتنعا بأن حماس لن توقع اتفاق المصالحة .. الكل كان يهاجم فتح على أنها طرف في المشكلة ، ونحن لم نعد طرفا لا بالتعقيد ولا بالمشكلة ، فنحن الآن مستسلمون تماما لأفكار حماس ولا نعارض ولا نتحفظ على أى بند فى الورقة المصرية حتى لا تتذرع به حماس فى عدم التوقيع ، لذا مطلوب منهم التوقيع على الورقة مثلنا. الكل كان يرى أن حماس ستوقع .. أتنسى أن خالد مشعل كان هنا في نهاية سبتمبر من العام الماضي وقال: " أبشر الامة العربية والإسلامية وأمريكيا اللاتينية والهنود والزنوج و ...... أن حماس ستوقع على الورقة المصرية " .. ماذا فعل بعد ذلك ؟ .. لقد ذهب بعد ذلك إلى إيران فقالوا له " إلى أين أنت ذاهب ؟ " وعاد من هناك وأعلنت حماس عن تحفظاتها ومن يومها توقف الجهد تماما وتجمد الحوار. حماس بررت حينها عدم التوقيع على الورقة بأسباب غريبة وبدأت تخرج بملاحظات واستدراكات، وطبعا اللغة العربية غنية ويستخدمون الألفاظ كما يريدون ، لكن أنا أرى أن من دلل حماس هم بعض المثقفين العرب الذين يقولون إن المشكلة ليست في حماس بل فى فتح، فكل الاتهامات لحركة فتح وجهت ودفعة واحدة، وعندما وقعت فتح على الورقة ، سألنا: " ما هو المطلوب أكثر من ذلك من فتح لكى تفعله ؟". لا نخشى أمريكا ولا إسرائيل * لكن البعض فى فتح ردد اعادة غزة بالقوة للوطن هل كان هذا وارداً لديكم؟ حركة فتح ترفض بالمطلق استخدام القوة لاستعادة قطاع غزة .. فهذا معيب ولا نقبل به ولم نرغب باستخدام القوة حتى بالدفاع عن أنفسنا “قبل الانقلاب” .. ورغم ذلك يأتي بعض الصحفيين والكتاب ويقولون إن حركة فتح كانت تخطط للانقلاب، لكن حماس انقلبت عليها قبل أن تفعل ذلك !!!. كل هذه المهاترات آن الأوان لها أن تنتهي تماما بعدما كشف الجميع أهداف حماس .. كانوا يقولون إن أبو مازن خائف من التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة بسبب أمريكا ، والنتيجة أنه وقع .. فنحن في القيادة الفلسطينية وفي حركة فتح لا نخاف من أحد ، وعندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية وبمصلحة الشعب الفلسطيني لا يهمنا لا موقف إسرائيل ولا موقف أمريكا ونتحمل المسؤولية كاملة. فرغم أن السلطة كلها ممولة من الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية والولايات المتحدة وقعنا على الورقة المصرية ، ومن هنا آن الأوان لحماس المناضلة والمجاهدة أن تختبر نفسها وتوقع على الورقة. * هناك أصوات فى حماس تريد التوقيع على الورقة حسبما نقرأ بين السطور فى تصريحاتهم .. هل لمستم ذلك ؟ وهل تشجعونه ؟ فعلا .. أنا أعرف تماما أن غالبية أبناء حماس في قطاع غزة يريدون التوقيع على ورقة المصالحة التي أعدتها مصر لإنهاء الأزمة الحالية ، ولكن للأسف حماس مسيطر عليها من الدعم المالي من قبل خالد مشعل ، وهو قال لا نريد التوقيع وانتهى الأمر للأسف على ذلك. من يواجه حماس بالحقيقة * نفهم من كلامكم أنكم اغلقتم ملف الحوار الفلسطينى - الفلسطينى ؟ نحن نسعى للمصالحة، ولكن حينما يشعر الحزب السياسي بأنه منتقد من العالم العربي والإسلامي يجب أن يحسب الحساب لذلك ، فحينما يستمر البعض باستخدام مفردات مغلوطة ويقول : " على فتح وحماس أن يتفقا " تكون حماس فرحة لأن في ذلك خلط للامور. هذا الكلام بعيد عن الواقع وهو معيب وغير صادق وغير أمين على الإطلاق ، لأن حركة فتح وقعت وقامت بالمطلوب منها عمله ، وعلى الجميع أن يقول الحقيقة أمام حركة حماس ويقولون لهم " أنتم من تضيعون فرصة تحقيق الوحدة " . * من تقصدون حين تتحدثون عن استخدام مفردات مغلوطة ؟ بصراحة أنا أحمل الجميع المسؤولية سواء الجامعة العربية ، أو بعض المسؤولين العرب وعدد من المثقفين والصحفيين العرب وأخاطبهم : " إذا كان يعنيكم الوضع الفلسطيني عليكم قول الحقيقة لا أكثر ولا أقل " . الجامعة العربية وعدت بإدانة الطرف المعيق للحوار ، والنتيجة لا إدانة ولا وضوح في إعلان الطرف المعطل .. مرفوض التنصل من المسؤولية ولا يجوز القول بأن الفلسطينيين لا يريدون تحقيق المصالحة ، فنحن على الدوام نعاني من إشكاليات ، ودور الامة يجب أن يتمثل في دعم حالة الوحدة ، ودعم الوحدة يكون أولا بالضغط على الطرفين ، لكن عندما يستجيب طرف ولا يستجيب الآخر ، مطلوب من الكل إدانة وكشف هذا الطرف ، وبهذه الطريقة يمكن فقط لحماس أن توقع على الورقة المصرية ، أما إن شعرت بأن الخطاب سيبقى للطرفين فلن توقع، لان اللوم موجه للجهتين وليس لها بشكل خاص. هل سيطبق الاتفاق في قم * هناك أنباء ترددت حول وجود مبادرات لحل الانقسام من ضمنها مبادرة قطرية ؟ لا يوجد مبادرات، ما هو الموجود هو الورقة المصرية التي كانت خلاصة ساعات طويلة جدا من حوار ونقاش بين الفصائل في القاهرة استمر لمدة عامين ، ولا نريد مبادرات جديدة. فكلام الرئيس محمود عباس بهذا الشأن واضح ولا غموض فيه وينطلق من أنه لا يوجد أي مكان للتوقيع غير مصر لأسباب كثيرة والجميع يعلمها ، وهذا ليس من باب النفاق أو المبالغة ، فنحن سياسيون ونتصرف بسياسة ونعتقد أن الجهد المصري لن يضاف له جهد آخر من أجل إقناع حماس إلا إذا جاءتها أوامر أخرى من إيران ، وفى النهاية نحن وحماس سنعود إلى مصر. أنا أتساءل " هل مثلا سنطبق الاتفاق من قم ؟ " بالتأكيد لا ، وهل لدى قم أدوات لتنفيذ الاتفاق بالتأكيد لا " .. هل مصر ينقصها شيء لتبذل جهدا آخر لتصل إلى اتفاق فلسطيني - فلسطيني ؟ بالطبع لا .. فجهود ودعم مصر للقضية تاريخي وقديم. * هناك من يرى انخفاضا في وتيرة تأثير أطراف عربية على حماس بما يخص عدم التوقيع على الورقة المصرية .. هل يعنى ذلك أنه لم يبق إلا إيران ؟ حماس لها ارتباطاتها وعلاقاتها وعلى الدوام كل الأحزاب السياسية والحركات الوطنية لها ارتباطات ولكن العبقرية تكمن في ألا تؤثر هذه الارتباطات فى القرارات السياسية .. فهذا ما فعله الشهيد ياسر عرفات ، ولن نجد أفضل من العلاقة بين أبو عمار والقيادة المصرية ، ولكن لا لم يخضع القرار الوطني الفلسطيني للموقف السياسي المصري ولو مرة واحدة ، وأنا شاهد على ذلك. هناك علاقة استراتيجية قائمة على الاحترام ، وفيها علاقة أبوة وتبنٍّ وتاريخ وكل شيء ، ولكن لم نجبر مرة واحدة على تغيير موقفنا السياسي ومن يدعي غير ذلك كاذب .. فمن يدعي أن مصر أو سوريا أو غيرها من الدول الشقيقة مارست الضغط علينا في فتح "كاذب" والقيادة الفلسطينية حرة في اختيار قراراتها .. فنحن نسمع ونزن الأمور ومصر لها ثقلها السياسي وعلاقاتها الدولية المميزة مهمة ، ومن هنا نستمع إليها ، ومصر ليست دولة بمجاهيل افريقيا ، فنحن نستمع لكل الدول العربية الشقيقة ، ولكن في النهاية القرار فلسطيني. لكننى أود فى هذا الصدد أن اشير الى ان الرئيس محمود عباس أحدث تغييرا مهما في إشراك العالم العربي في الملف السياسي والوضع الفلسطيني ممثلا فى لجنة المبادرة العربية ، لكن دون أن يؤثر ذلك على قرارنا .. فهناك بعض الفلسطينيين يقلقون من ذلك ، وهناك من يقول " لنمش مسافة أبعد " ونحن نقول إن هناك مصالح عربية وإقليمية مشتركة معنا ، ونحن لم نعد خائفين من أحد بما يخص التمثيل الفلسطيني، ومن يشارك معنا أهلا وسهلا ، ولكن بنهاية الطريق النتيجة هى فى وحدة واستقلال القرار الفلسطيني ، ونحن المسؤولون أن نذهب للمفاوضات أو لا. * لنبدأ بأحدث التطورات .. وهى المفاوضات غير المباشرة مع الاسرائليين التى انطلقت الأحد الماضى وبعد جولة مارثونية قام بها ابو مازن وموافقة عسيرة داخل منظمة التحرير ورفض من فصائل عديدة ؟ المفاوضات غير المباشرة تركز على مسألتى الحدود والأمن ، فنحن نريد أن نختبر المجتمع الدولي وإسرائيل ولا نريد أن نذهب لمفاوضات مباشرة فضفاضة .. فأنا شخصيا جربت نتنياهو وكانت لي تجربة شخصية معه بالمفاوضات لمدة 12 سنة وأؤكد أنه لم يعد هناك ما نتفاوض عليه فنيا ، أى أن الأمر يحتاج إلى قرارات سياسية. فالجميع يتحدث عن حل الدولتين ، نتنياهو ورابين قبله وشارون والإدارة الامريكية السابقة والحالية ، ونحن نقول “تمام” ، لكن نريد أن نعرف أين حدود دولتنا ، وأين تقع هذه الدولة ، ومن هنا نركز على هذا الموضوع .. أما موضوع الامن فإننا نركز عليه لأنه حجة إسرائيل ونريد أن نحدد الحدود قبل الحديث عن الأمن لأن بها مستقبلنا. فالاختبار الحقيقي لنتنياهو يكمن بالاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية ، ومن هنا نحن نتماشى مع المجتمع الدولي دون أن نقدم تنازلا ، وفي نفس الوقت نكشف نوايا نتنياهو ، وإن كان جادا ووافق على ذلك فسنشكره ، وإذا لم يوافق لن تستمر هذه المفاوضات بطريقة مفتوحة وبطريقة عبثية. القضايا الجوهرية أهم * كانت هناك أنباء عن إجراءات إسرائيلية مدعومة أمريكيا تسمى "بوادر حسن نية" .. هي التى اقنعتكم ببدء المفاوضات غير المباشرة .. فهل هذا صحيح؟ لم نكن بحاجة إلى بوادر حسن نية من نتنياهو مع أنها واردة في خطة خارطة الطريق من خلال الإفراج عن الأسرى، والعودة لحدود ما قبل بدء انتفاضة الأقصى ، لكننا تجاوزناها حتى لا يعتقد نتنياهو أنه منحنا " امتيازات " ستجعلنا نتناسى القضايا الجوهرية مثل الأمن والحدود والمياه واللاجئين والقدس المحتلة.