منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن الكريم.. وعلى امتداد سنوات نزوله بالمدينة المنورة كان الإعلان عن أنه المعجز المتحدي و“التحدي المعجز”، والكتاب الذي لا ريب فيه لا للعرب وحدهم.. ولا للبشر المعاصرين فقط.. بل للإنس والجن قاطبة عبر الزمان والمكان والأمم والأجناس والطاقات والملكات.. وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لقد تحداهم القرآن أن يأتوا بمثله، فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله.. فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة مثله وأن يستعينوا على ذلك بكل من وما دون الله سبحانه وتعالى.. ولما عجز المعاصرون، نقل التحدي المعجز إلى الأبد، فقطع قطعًا جازمًا ومتحديًا لعجزهم عن ذلك عبر الزمان والمكان “فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا” البقرة 24. نعم: ففي سورة الإسراء المكية نقرأ “قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا” الإسراء 88. وفى سورة هود المكية نقرأ “أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل انتم مسلمون” هود 13، 14. وفى سورة الطور المكية نقرأ “أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين” الطور 33، 34. وفى سورة البقرة المدنية نقرأ “وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسور من مثله وادعو شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين” البقرة 23، 24. ولقد اجتمع الفصحاء والنبلاء من قريش وانتدبوا أحد زعمائهم.. وبلغائهم وقضاتهم والملقب عندهم بالعدل لأنه كان أعدل قريش كلها.. انتدبوا أبو عبد شمس الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم ( 95ق–ه 535 -622)م ليسمع القرآن وليجيب على التحدي فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد الحرام وسمع منه سورة غافر؛ فما كان من عدل قريش قاضيها وزعيمها وبليغها وفصيحها إلا أن شهد وهو على شركه ووثنيته وعصبيته لدين قومه ومع تمسكه بزندقته شهد للقرآن الكريم بأنه ليس من كلام البشر.. فقال لقومه: والله لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن والله ما هو بكاهن، فقد رأينا الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ووالله ما هو بمجنون، فقد رأيت الجنون وعرفناه، فما هو بحنقة ولا تحالجه ولا وسوسته. والله ما هو بشاعر فقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر. والله ما هو بساحر، فقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده. والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة. وإن أصله لمغدق وإن فرعه لمثمر وإنه يعلو ولا يعلى عليه. وما أنتم “يا معشر قريش” بقائلين فيه من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل. هكذا اقترن التحدي المعجزي بنزول الكتاب الذي لا ريب فيه.. وكان العجز المخزي “هو الجواب على هذا التحدي وظل هذا العجز المخزي” بنزول الكتاب الذي لا ريب فيه وكان العجز المخزي هو الجواب على هذا التحدي.. وظل هذا العجز المخزي لأعداء القرآن الكريم الذين وصلوا للقمر لكنهم لا يزالون يفرون من مواجهة القرآن الكريم!.