لو كنتُ مؤرخاً للطاقة لأرّخت -في العصر الحديث بالمملكة- ليوم صدور الأمر الملكي بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. ولو جادلني قوم لما سلّمتُ بأقل من القول بإنه يوم جدير بذلك. ذلك لأننا نتحدث عن صيانة وحماية وادّخار ثروتنا الناضبة لأجيالنا القادمة. فهو حقهم في الحياة بعدنا. ولا تكمن أهمية القرار فيما ذكرناه فقط. وهو شيء كبير. بل لأنه سوف يحدث عند تطبيقه ارتقاءً ونقلاً نوعياً إلى الأفضل في حياتنا نحن؛ من النواحي الإنسانية والاقتصادية والتقانية. فباستخدام الطاقات الأخرى (النووية والشمسية والحرارية والرياح والمد وغيرها) النظيفة، بدلاً من الوقود الأحفوري (النفط ومشتقاته)، سينخفض التلوث البيئي، سواء كان في الهواء أو الماء أو التربة. وسيزداد دخلنا بعدم إهدار هذه الثروة بحرقها في توليد الكهرباء، وتشغيل المصانع، وعلى الطرق؛ بتوجيهها إلى المنتجات الأغلى سعراً والأربح دخلاً كالبتروكيماويات. بالإضافة إلى ما سيحدث في مجتمعنا من ترشيد للطاقة، وتطوير أو استيراد لتقانات لم نهتم بها من قبل. لا شك في أن القرار له تداعيات استراتيجية بإعادة توجيه رؤيتنا حيال كيفية تعاملنا مع مصادر الدخل عندنا، وحماية ثروتنا الناضبة، وحفظ حق الأجيال القادمة فيها؛ ما سوف يحدث -بلا شك- إعادة للهيكلة الاقتصادية والأولويات. ولن يخفى بأن هذا المنظور سيكون في إطار لا يخلّ بالالتزامات العالمية الملقاة على المملكة من حيث أنها أكبر منتج ومصدر للنفط، وأنها تمتلك أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم. وأملنا ألا تستأثر الطاقة الذرية بالاهتمام على حساب الطاقات الأخرى المتجددة. فكما كتبتُ في مقال سابق بأن المملكة مهيأة لتصدير الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية مستقبلاً، مثلما هي مصدرة للنفط حاضراً، نظراً للإمكانات الشمسية الهائلة التي وهبها الله لها. ولا أشك في أن الذين تم اختيارهم لقيادة هذه المدينة، لديهم الكفاءة لأن يضعوا الأولويات التي تحقق تقدمنا وتلبي احتياجاتنا.