مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    أمين منطقة القصيم يتسلم التقرير الختامي لمزاد الابل من رئيس مركز مدرج    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "تعليم البكيرية" يحتفي باليوم الدولي للتسامح بحزمة من الفعاليات والبرامج    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    الشركات السعودية في وضع جيد لتعزيز الابتكار من خلال الذكاء الاصطناعي    الذهب يواصل مكاسبه مدفوعًا بتصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع الدولار    روسيا أطلقت صاروخًا عابرًا للقارات على أوكرانيا بدون رأس نووي    «الطيران المدني» يُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر أكتوبر الماضي    الهيئة السعودية للبحر الأحمر تصدر أول ترخيص لمراسي سياحية في ينبع والليث    أكاديمية طويق شريك تدريبي معتمد ل "Google Cloud"    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    ضمن ملتقى «الإعلام واقع ومسؤولية».. إطلاق أول بودكاست متخصص في المسؤولية الاجتماعية    «أتاكمز».. تحول أمريكي في حرب أوكرانيا    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    الصقور السعودية    «كوكتيل» هرج    حمائية فاشلة !    «المسيار» والوجبات السريعة    مساهمات الأمم المتحدة في تأسيس القانون الدولي للفضاء    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    الخليج يتطلع لنهائي آسيا أمام الدحيل    البكيرية يتجاوز الجندل والعدالة يتألق أمام النجمة    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الاتحاد يستعيد "عوار" .. وبنزيما يواصل التأهيل    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    محافظ جدة يشرف أفراح الحصيني والقفيدي    فيتو أميركي ضد قرار بمجلس الأمن بشأن غزة    الإعراض عن الميسور    مهمة هوكشتاين في لبنان.. الترقب سيد الموقف    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    الدرعية تضع حجر الأساس لحي القرين الثقافي والمنطقة الشمالية    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    نواف إلى القفص الذهبي    الزميل أحمد بركات العرياني عريسا    إيطاليا تفرض عقوبات أشد صرامة على القيادة الخطرة    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    سعود بن بندر يستعرض تحول التعليم في الشرقية    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    وصول الدفعة الأولى من ضيوف الملك للمدينة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    عبدالعزيز بن سعد بن يستقبل مدير مرور منطقة حائل السابق والمعين    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغامدي: ما احتجّوا به على وجوب صلاة الجماعة يحتمل وجوهًا كثيرة يسقط بها الاستدلال
نشر في المدينة يوم 19 - 04 - 2010

خلصنا في الحلقة الأولى من دراسة علمية للشيخ الدكتور أحمد القاسم رئيس هيئة الأمر بالمعروف المعنونة ب(قوافل الطاعة في حكم صلاة الجماعة) إلى أن تعدد الاحتمال يسقط الجزم بوجوب الجماعة في الاستدلال، وأن هنا تسعة أوجه لحكم صلاة الجماعة لا تخلو من ضعف وتعسف، وأن فرضية صلاة الجماعة كانت في أول الإسلام لسدّ باب التخلّف عن الصلاة على المنافقين، ثم نُسخت، كما أن الاحتجاج بحديث الهمّ على الوجوب لا يُراد به حقيقته، وإنّما يُراد به المبالغة، وأن حديث “الأعمى” على كثرة طرقه وتعدد رواياته ضعيف لا يُحتج به. ونواصل في استعرض دراسته في حلقتنا الثانية مبتدئين معه بالاحتجاج بحديث مالك بن الحويرث الليثي -رضي الله عنه- حيث قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فأذّنا وأقيما ثم ليؤمّكما أكبركما). يقول الشيخ الغامدي حول ذلك: هذا الحديث متفق على صحته، وفيه بيان مشروعية إمامة الأكبر سنًّا لمن هو دونه، وليس فيه أي دلالة على أن صلاة الجماعة واجبة، فضلاً عن كونها شرطًا للصحة. وبيان ذلك: أن قوله: (فأذّنا، وأقيما) لا يصلح أن يفهم منه وجوب قيامهما جميعًا بالأذان والإقامة كلّما حضرت الصلاة، بل يكفي قيام واحد منهما دون الآخر، وهذا محمول على ما إذا كانا مجتمعين في موضع، وإلاّ فإنهما لا يؤمران بأن يجتمعا كلّما حضرت الصلاة، ومثل هذا قوله: (ليؤمّكما أكبركما)- أي عند اجتماعهما، وهذا يبيّنه المقام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنّما قال ذلك حين استئذانهما له أن يرجعا إلى بلدهما، وذلك بعد أن قضيا أيامًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلّمهما الدّين،كما أن ذلك جاء لبيان مَن هو الأحق بالإمامة فيهما، لاستوائهما في القراءة والهجرة، فهذا معنى الحديث، وليس فيه دلالة على وجوب الجماعة، فضلاً عن كونها شرطًا للصحة. حديث ضعيف وحول الاحتجاج بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخّص له، فيصلّي في بيته، فرخّص له. فلمّا ولّى دعاه وقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأجب). يقول الغامدي هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، ولم يذكر في الباب غيره، وأخرجه أيضًا ابن راهويه وآخرون، وهو حديث ضعيف سندًا ومتنًا. أمّا من جهة الإسناد: فمداره على مروان بن معاوية الفزاري، وعبيدالله بن الأصم مقبول الرواية حيث يتابع، ولا متابع له هنا، ومروان الفزاري تكلّم فيه بأنه تكثر روايته عن الشيوخ المجهولين، وقال ابن نمير: “كان يلتقط الشيوخ من السكك”، وقال عبدالله بن علي بن المديني عن أبيه: “ثقة فيما روى عن المعروفين، وضعفه فيما روى عن المجهولين”، وبمثل هذا قال العجلي في الثقات، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال الذهبي في الميزان: “ثقة عالم صاحب حديث، لكن يروي عمن دب ودرج، فيستأنى في شيوخه”، وقال الحافظ في التقريب: “ثقة حافظ، وكان يدلس أسماء الشيوخ” وقد تفردا به. والحديث روي بمعناه عن كعب بن عجرة وابن أم مكتوم وجابر بأسانيد كلها ضعيفة. من جهة المتن وأمّا من جهة المتن: ففي معناه نكارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لعتبان بن مالك -وقد أنكر بصره ولم يكن قد عمي- رخّص له أن يصلّي في بيته، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، فلا يقارن به حديث الأعمى المتقدم، وحديث عتبان معناه موافق لما جاء به الشارع من التيسير على العباد ورفع الحرج عنهم، وحديث الأعمى يعارضه عموم قوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج)، فهذا نص في رفع الحرج عن الأعمى. فلا يصح الاحتجاج بحديث الأعمى المذكور لضعف سنده ونكارة معناه. ويواصل الشيخ الغامدي ثم لو سلم بصحة الحديث لم يسلم بصحة الاستدلال به على وجوب صلاة الجماعة، قال الشوكاني في نيل الأوطار: “أعلم أن الاستدلال بحديثي الأعمى وحديث أبي هريرة على وجوب مطلق الجماعة فيه نظر، لأن الدليل أخص من الدعوى، إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لسامع النداء، ولو كان الواجب مطلق الجماعة لقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته ولا يجمعون في منازلهم، ولقال لعتبان بن مالك: انظر مَن يصلّي معك، ولجاز الترخيص للأعمى بشرط أن يصلي في منزله جماعة”. أ.ه. ويضيف يعني بحديث أبي هريرة هنا حديثه في الهمّ بالتحريق، وما قاله الشوكاني هنا على التسليم بصحة حديث الأعمى وقد تقدم الكلام فيه بأنه لا يتمّ الاعتماد عليه لضعف سنده ونكارة معناه. قال البيهقي في معرفة السنن والآثار موجهًا معنى حديث الأعمى المذكور: “وإنما أراد -والله أعلم-: لا أجد لك عذرًا أو رخصة تلحق فضيلة من حضرها، فقد رخص لعتبان بن مالك في التخلف عن حضورها”. أ.ه. رفعه ووقفه وحول الاحتجاج بأثر ابن عباس -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلاّ لعذر). قال هذا الحديث اختلف في رفعه ووقفه، والراجح فيه الوقف، لكونه رواية جماعة الثقات، عن شعبة، وهؤلاء الثقات هم: علي بن الجعد، ووكيع، ووهب بن جرير، وعمرو بن مرزوق، وحفص بن عمر الحوضي، وسليمان بن حرب، وعبدالرحمن بن مهدي، وربيب شعبة محمد بن جعفر. وأكد أن رواية الرفع فجاءت من طرق ستة كلها لا تصلح للاحتجاج. أحدها: طريق هشيم ابن بشير، عن شعبة -أخرجها ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والدارقطني وغيرهم -، وهذه رواية شاذة، لتفرد هشيم عن بقية أصحاب شعبة، ولأن هشيم مدلس وقد عنعنه. الثاني: طريق سعيد بن عامر، عن شعبة، وهذا أخرجه الحاكم في المستدرك، وإسناده ضعيف من أجل سعيد نفسه، قال عنه البخاري: “كثير الغلط”، والراوي عنه سوار بن سهل، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: “غرب”، وقال عنه الذهبي في الميزان: “لا يدرى من هو، وفيه أيضًا إسماعيل بن يعقوب الصفار لا يعرف حاله”. الثالث: طريق أبي سليمان داود بن الحكم، عن شعبة، أخرجه الحاكم في المستدرك، وإسناده ضعيف من أجل أبي سليمان نفسه، قال عنه المزي: “لا يعرف”، كما أن في إسناده أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي شيخ الحاكم لا يعرف حاله، وفيه الحسن بن علي بن شبيب، قال عبدالله بن أحمد عن المعمري: “لا يتعمد الكذب، ولكن أحسب أنه صحب قومًا يوصلون يعني المراسيل”. الرابع: طريق قراد أبي نوح، عن شعبة، أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني، وإسناده ضعيف من أجل قراد نفسه، وقد رماه الدارقطني بجهالة الحال، وقال الذهبي في الميزان: “حدث عنه أحمد والكبار، وكان يحفظ، وله مناكير”. أ.ه. ووهّن ابن معين أمره في حديث حدثه به. الخامس: طريق مغراء العبدي، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أخرجها أبو داود والطبراني والحاكم والدارقطني والبيهقي، وإسنادها ضعيف من أجل مغراء نفسه، قال الذهبي: “تكلم فيه”، وفي الإسناد أيضًا أبو جناب الكلبي ضعفه أبو حاتم وابن معين والنسائي والمنذري، وحكي عن الإمام أحمد توثيقه لكن مع وصفه بالتدليس، وقد عنعنه هنا. السادس: طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أخرجه قاسم بن أصبغ في مسنده، تفرد سليمان به عن بقية أصحاب شعبة، حيث رواه عنه مرفوعًا، وجعله عن حبيب بن أبي ثابت، ورواية الجماعة عن شعبة، عن عدي بن ثابت، لا عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا، ورواية الجماعة أرجح. والحديث روي بمعناه عن علي بن أبي طالب، كما أخرجه عبدالرزاق والدارقطني، وفي إسناده الحارث الأعور، وهو ضعيف، وقد كذبه الشعبي، ورمي بالرفض، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة من رواية الحسن البصري، عن علي، وهذا إسناد منقطع، لأن الحسن لم يسمع من علي. والحديث روي أيضًا بمعناه عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة بسند ضعيف، لأن فيه أبا موسى الهلالي عن أبيه، وكلاهما مجهول. وروي أيضًا عن أبي هريرة وجابر بن عبدالله مرفوعًا، أخرج الأول ابن عدي في الكامل بسند ضعيف جدًا، لأن فيه سليمان بن داود الهجري، منكر الحديث، وأخرج الثاني العقيلي في الضعفاء بسند ضعيف جدًا كذلك، لأن فيه عبدالله بن بكير الغنوي، صاحب مناكير، ليس بالقوي، والراوي عنه محمد بن سكين ضعفه الحافظ في التقريب وقال عنه الذهبي في الميزان: “لا يعرف، خبره منكر”. وروي أيضًا عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح، قاله البيهقي، وهو الحق عندي. أثر ابن عباس ويشير الغامدي إلى أن الأثر موقوف على ابن عباس -رضي الله عنه- وفي معناه حديث أبي موسى الأشعري وهو موقوف كذلك، وظاهر هذا القول أنه من قبيل الرأي والاجتهاد والحجة في كلام الله وكلام رسوله. قال الشوكاني في نيل الأوطار: “وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب، وتبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل والتمسك به بما يقضي به الظاهر فيه إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب، وهو لا يجوز، فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلاّ محروم مشؤوم، وأمّا أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا”. ا.ه. وختم في هذا الجانب بالقول: وهذا هو الحق عندي في توجيه الحديث على فرض صحته مرفوعًا ولم يصح. ليس بظاهر وحول الاحتجاج بحديث ابن مسعود، قال: (من سرّه أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلاّ منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). قال الشيخ الغامدي هذا الحديث صحيح عن ابن مسعود من قوله، وفيه ما يشعر بأنه يرى لزوم إتيان الصلوات المفروضة في مساجد الناس جماعة، لقوله: (حيث ينادى بهن)، وقوله: (ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلاّ منافق معلوم النفاق)، والظاهر من قوله -رضي الله عنه- أنه قال به تفقها، والأقرب حمله على ما لو كان الجميع يصلون في بيوتهم لتعطلت هذه الشعيرة، يعني: إقامة الصلاة في المساجد جماعة، ولو تعطلت هذه لحصل هجر لتلك السنة بأسرها، وهذا هو عين الضلال، ويفسره قوله: (لتركتم سنة نبيكم)، أي: لهجرتم. ومتى قيل: إن الحديث يحتمل الرفع، لقوله: فيه (لتركتم سنة نبيكم)، وقوله: (ولقد رأيتنا..إلخ)، قلنا: إن ذلك ليس بظاهر، بل ظاهر السياق يدل على أنه قاله تفقها لما فيه من تعليل واستدلال. قال الشوكاني في نيل الأوطار: “والأثر -يعني: أثر ابن مسعود المتقدم- استدل به على وجوب صلاة الجماعة، وفيه أنه قول صحابي، ليس فيه إلاّ حكاية المواظبة على الجماعة وعدم التخلّف عنها، ولا يستدل بمثل ذلك على الوجوب، وفيه حجة لمن خص التوعد بالتحريق بالنار المتقدم في حديث أبي هريرة بالمنافقين”. ا.ه. وحول الاحتجاج بحديث علي بن أبي طالب موقوفًا، قال: (لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد). قال هذا الحديث موقوف وسنده ضعيف، تفرد به أبو حيان يحيى بن سعيد، عن أبيه سعيد ابن حيان التيمي وسعيد بن حيان مجهول الحال. والحديث رُوِي بمعناه عن عائشة وأبي هريرة موقوفًا، وعن جابر مرفوعًا، ولم يصح . لا تنهض للاحتجاج وخلص الشيخ الغامدي من كل ذلك إلى أن هذا جملة ما احتجوا به من الأحاديث على وجوب صلاة الجماعة، وأنها شرط للصحة، وهي كما ترى لا تنهض للاحتجاج على المطلوب، لما في بعضها من ضعف من جهة الإسناد، أو لأن ما صح منها لا يتم الاستدلال به، إمّا لكونها موقوفة على الصحابي، أو أن معناها يحتمل وجوها كثيرة فيسقط به الاستدلال. أمّا قول الثالث كما يراه صاحب الدراسة فهو أن صلاة الجماعة في غير عذر فرض على الأعيان، إلاّ أنها ليست بشرط لصحة الصلاة، وقالوا: إن صلاة المنفرد من غير عذر صحيحة ومجزئة، لكنه يأثم بترك الإتيان بها جماعةً، حكى ابن قدامة في المغني أن هذا القول روي عن ابن مسعود وأبي موسى، وبه قال عطاء والأوزاعي وأبو ثور، وأشار أيضًا إلى أنه قول أحمد، وأشار الحافظ في الفتح إلى أنه قول جماعة من محدثي الشافعية، كابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان. واحتج أهل هذا القول بما ذكرنا من الأحاديث التي احتج بها أهل القول الثاني،
وقد تقدم الكلام على ما فيها، وأنها لا تبلغ بدلالتها الحدّ المتنازع فيه من أن صلاة الجماعة فرض عين. وحول الاحتجاج بقوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة..)، وقالوا: لو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها، حكى هذا المعنى ابن قدامة في المغني. قال الشيخ الغامدي: هذه الآية ما أنزلت لبيان وجوب صلاة الجماعة حتى في حالة الخوف، وإنما أنزلت لبيان مشروعية صلاة الخوف وبيان بعض كيفياتها، ومعلوم أن لصلاة الخوف كيفيات متعددة، منها ما ذكر في قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالاً أو ركبانًا)، فإن قيل: إن ذلك رخصة عند اشتداد الخوف، إذا لم يتمكنوا حينئذٍ من إقامة الجماعة، قلنا: هو كذلك، وهناك من الأعذار التي قررها الشارع في ترك الجماعة ما هو أهون بكثير من حالة الخوف، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عمر: (إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة)، وأخرج مسلم وأبو داود عن عائشة مرفوعًا: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافع الأخبثين)، وأحاديث النهي عن قربان المساجد لمن أكل بصلاً أو ثومًا، وما دلت عليه النصوص من الأعذار الأخرى؛ كالمطر، والمرض، والعرج، والعمى، فهذا كله ممّا يبين خطأ الاستدلال بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة، والله أعلم. صلاة المنفرد أمّا قولهم: إن صلاة المنفرد من غير عذر صحيحة، لكنه يأثم بترك الإتيان بها جماعة، فالشطر الأول منه حق، يدل عليه أحاديث العذر السابقة والأحاديث الأخرى المشعرة بجواز صلاة المنفرد. أمّا الشطر الأخير فإنه مبني على أن صلاة الجماعة واجبة وهو قول مرجوح. وعن الاحتجاج بقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)، وكذا قوله في الأعراف: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، و(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة..)، وفي القلم: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون). قال الدكتور الغامدي أمّا قوله (واركعوا مع الراكعين) فمعنى الآية أي كونوا مع الراكعين، يعني: في زمرتهم، قال ابن أبي حاتم في تفسيره: “قرأت على محمد بن الفضل، ثنا محمد بن علي الشقيقي، ثنا محمد بن مزاحم، ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان: قوله لأهل الكتاب: (واركعوا مع الراكعين) أمرهم أن يركعوا مع الراكعين، مع أمة محمد، يقول: كونوا منهم ومعهم” ا.ه، وهذا وإن كان في إسناده بكير بن معروف قاضي نيسابور، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: “صدوق فيه لين”، إلاّ أن معناه موافق لما دل عليه سياق الآية، وعلى هذا فإن المعية في الآية لا تقتضي أنه يلزمهم الركوع كلما ركع الراكعون، فيركعون وقت ركوعهم، ومع جماعتهم على كل حال، وهذا أمر لا يخفى تعذّره، فالآية نظير قوله: (فادخلوا النار مع الداخلين)، أي: كونوا مع الداخلين النار، وصيروا معهم وفي زمرتهم. ويؤكد هذا المعنى أن خطاب الآية هنا إنما كان موجّها لليهود حيث أمرهم الله تعالى فيها بالتلبس بشعائر الإسلام عقب الأمر باعتقاد عقيدة الإسلام المذكور قبلُ في قوله: (وآمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم)، أشار إلى هذا المعنى ابن عاشور في تفسيره، وقال في قوله: (واركعوا مع الراكعين): “إنه تأكيد لمعنى الصلاة المذكور في قوله في صدر الآية: (وأقيموا الصلاة)، لأن لليهود صلاة لا ركوع فيها، فلكي لا يقولوا إننا نقيم صلاتنا دفع هذا التوهم بقوله: (واركعوا مع الراكعين)، فقوله: (مع الراكعين): إيماء إلى وجوب مماثلة المسلمين في أداء شعائر الإسلام المفروضة، فالمراد ب(الراكعين) المسلمين. ا.ه كلام ابن عاشور بتصرف يسير. قال الشوكاني في تفسيره: “قوله: (واركعوا مع الراكعين) فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة والخروج إلى المساجد، وقد ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ما هو معروف، وقد أوجب حضور الجماعة بعض أهل العلم على خلاف بينهم في كون ذلك عينًا أو كفاية، وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة مرغوب فيها وليس بواجب، وهو الحق، للأحاديث الثابتة الصحيحة عن جماعة من الصحابة من أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة، وثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (الذي يصلي مع الإمام أفضل من ذلك الذي يصلي وحده ثم ينام). ا.ه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.