كتبت في الأسبوع الماضي مقالي (لحياة جديدة مشرقة) الذي كان يدعو إلى ضرورة أن ندع شيئا سلبيا نفعله وأن نتحرّر من أفكارنا القديمة التي سببت لنا الفشل والألم.. وأن نبحث حول جذور الفشل عن بذور النجاح.. إذ إن كثيراً من تجاربنا الفاشلة تحوي بداخلها أسرار النجاح إذا ما استطعنا أن نتحرّر من أفكارنا السلبية لنكتشفها... وقد وصلتني عشرات الرسائل من القرّاء والقارئات فيها الكثير من التساؤلات والاستفسارات حول جدوى اتباع ما كتبته وهل يمكن أن يتغلب الأمل على الألم خاصة وأن بعد التجارب الفاشلة المريرة غالبا ما يكون حجم الألم أكبر من حجم الأمل.. وأقول لكل من يظن ذلك وتقوده وساوسه إلى المزيد من الانغماس في الألم إن بدء الحياة من جديد والنهوض من انكسار سببه فشل أو خيبة أمل يبدأ بألّا نعبأ بالأفكار والمشاعر التي قد تخبرنا بأن البداية من جديد أمر مستحيل.. فهذه الوساوس الداخلية إمّا أن تنكر عليك الحاجة إلى بداية جديدة وإمّا أن تهزأ من إمكانية تحقيق ذلك.. والتخلص من تلك الوساوس يكون بإدراكنا لحقيقة أن انهزام الذات في الماضي لا يعني بالضرورة أن الانتصار لن يكون له مكان ووجود إن الانهزام أياً كان نوعه يدل فقط على أننا تعاملنا مع التحدّيات التي واجهتنا بطريقة خاطئة. إن تكرار الوقوع في الفشل لألف مرّة يؤكّد على أنك في كل مرة من هذه المرات الألف كنت تبدأ من الموضوع الخطأ.. إن الانطلاقات الجديدة متاحة وليست عسيرة ولا مستحيلة ما دام هناك حسن ظن بالله تعالى ثم عزيمة قوية وقدرة على رؤية نقطة الانطلاق الصحيحة ثم قرار بالبدء والانطلاق. تردّد عليّ مؤخّراً شاب ثلاثيني يطلب استشارة حول إمكانية انطلاقه من جديد بعد هزائم متعددة ومتتالية خرج منها مكسور الخاطر وفقد معها مجدافه الذي كان يجدف به في بحر معارك الرزق والحياة... لقد كان اليأس ساكنا كل شيء فيه...صوته...نظراته..عزيمته...ملامحه!! وظن هذا الشاب مثل كثيرين يعيشون ظروفاً كظروفه أن البداية من جديد صعبة والنهوض من الانكسار ضرب من الخداع والتمثيل ولا سيّما حينما تكون الهزيمة كبيرة والخسائر عظيمة والفشل مدوّيا!! وقد يكون هذا الاعتقاد واقعيا في حالة واحدة فقط!! وهي عندما نعجز عن التحرّر منه.. وعندما يبقي بداخلنا شيء يمنع هذا الاعتقاد أو الشعور من الموت بصورة طبيعية. إن أي شيء وكل شيء تحت الشمس من الأفكار إلى السحاب له ميلاد وحياة وموت.. وكل مصيبة مثل كل لحظة سعادة لا بد أن تأخذ مداها الزمني ثم تنتهي وتتلاشى لتأتي فرصة جديدة وتولد بداية أخرى.. ولم يكن ذلك الشاب قادراً على استيعاب ذلك وعدّه فلسفة في غير موضعها تحاول أن تجمّل الظروف وتربّت على كتفه.. حتى استجاب فعليا وتسلّح بحسن الظن بالله واستجابت عزيمته لاستنهاضي لها ليبدأ من جديد.. وسرعان ما أخذ الله بيده ووقف على قدميه من جديد.. فلو أخفق أي شيء في الحياة في طرح الماضي فإنه سرعان ما يركد فالينبوع الذي يتوقّف عن تجديد مائه يصير راكداً آسنا.. فقط الأمر يحتاج لأن نجيب بصدق عن سؤال واحد: (هل حياتك تستحق أن تجدّدها باستمرار...؟) فإن كانت الإجابة بنعم.. فلتكن البداية بحسن الظن بالله وإن كانت الإجابة بلا.. فعذراً مقالي لم يكن لشخصك الكريم.