ما زالت الطبيعة بكل ما تحويه من ثراء جمالي متنوّع تمثّل المُستقى الذي يأخذ منه الفنانون رؤاهم الإبداعية، ليجيء تعاملهم معها وفق قدراتهم المتفاوتة بين النقل المحاكي، والتجريد المرمز، وغير ذلك من ألوان التعامل مع مفردات الطبيعة المختلفة. ولم يكن الفنان ياسر خطار ببعيد عن الطبيعة في معرضه الشخصي“ليس في القلب متسع للحديقة”، الذي اختتم بصالة العالمية للفنون مؤخرًا؛ حيث قدم خطار ما يقارب من الثلاثين لوحة اعتمد فيها على الأسلوب التأثيري مع تركيز على الطبيعة. ضد منطق العين الرؤية حول هذا المعرض تبرز في كلمات الفنان خالد الرز الذي يقول: جميل جدًّا ومهم أيضًا أن يمتلك الفنان عينًا ويدًا ذكيتين.. ياسر خطار فنان عرفته منذ سنوات طويلة في دمشق، وكان بيننا حوار دائم حول مسألة البصرنة، حيث كان دائم البحث عن ألوان جديدة في خياله ومحيطه.. في الشارع، وفي كل ما تقع عليه عينه حيث يأخذ بعدها بفك وتحليل تلك الألوان وإعادة تركيبها برؤية الفنان؛ حيث الغاية هي الوصول إلى نتاج بصري جديد.. وأيًّا كانت النتيجة فهو قد جرّب، وتلك التجارب تراكمت ضمن مخزونه الثقافي والمعرفي في اللاوعي. ويضيف الرز: اليوم تتجلى تلك التراكمات المعرفية والحسية في أعمال تحمل إضافات جديدة على تجربة لونية نظرة ومتطورة، تبدو بها النساء مكتسيات باللون.. اللون المجرد.. وإن حاولنا التمعن بأعماله جيدًا نجدها بمستوى راقٍ لأنها تحملنا إلى عالم من التجريد اللوني الموزّع بشكل جميل على مساحة اللوحة، وهو يدرك تمامًا ما هي مسألة عمارة اللوحة اللونية من خلال علاقات الكتلة بالفراغ، وعلاقة الألوان الكيميائية والفيزيائية ببعضها البعض. ويواصل خالد حديثه مضيفًا: وبناءً على كل ما سبق يوصلنا ياسر خطار إلى مرحلة أقرب إلى الطرب اللوني، كأعمال تجريدية منه إلى أعمال فيها نساء، طبيعة صامتة وعناصر أخرى. ولكن كنت أود منه لو أنه فعلاً أبعد التدخل المباشر لمنطق العين، وإن كان هذا التدخل ليس طاغيًا في إنتاجه، ولو فعل لأوصلنا إلى حالة طرب حقيقية بكل أبعادها مع ألوانه ومقدراته البصرية والحسية مجتمعة. كنت أتمنى فقط لو أنه استسلم للون بعيدًا عن سطوة المنطق الضابط للموازين في بعض الأحيان، وأنا أدعوه لذلك لعلمي أنه قادر على إطرابنا، والدليل هو ما أوصلنا إليه من الجمال في ألوانه التي يقدمها على طبق معرضه الحالي. ويختم الرز بقوله: وأما عن تدخل وظيفة العقل في لحظة الإنتاج الإبداعي؛ هو عبارة عن خزان للمعرفة التي اكتسبها الفنان من خلال تجاربه.. واللحظة الحسية الإبداعية، عليها فقط أن تخرج من خلال بوابة المعرفة تلك من دون أن تلعب فيها دورًا مباشرًا في توجيه أو قيادة اللحظة الإبداعية. ذلك لأن اللحظة الإبداعية والمعرفة توأمان كلٌّ له وظيفته في عملية إنتاج اللوحة، ولا يصح أن يتجاوز أحدهما دوره ويأخذ دور الآخر.