لامست القمة العربية في سرت، والتي اختتمت أعمالها أمس آمال وآلام وطموحات العرب من المحيط إلى الخليج بحديثها عن بحث إعادة هيكلة النظام الإقليمي العربي المعروف منذ خمسة وستين عامًا باسم جامعة الدول العربية، ليصبح فيما لو نجحت عملية إعادة الهيكلة “الاتحاد العربي” أي أن ثمة رؤية عربية تتصوّر إمكانية الانتقال من حالتنا الراهنة إلى حال الاتحاد الكونفيدرالي العربي، على نسق الاتحاد الأوروبي الحالي، وهي رؤية تستحق أن ننحاز لها، وأن نعمل من أجل إنجازها، لأنها ببساطة تجسّد حلمًا عربيًّا واحدًا، لشعبٍ عربيٍّ واحدٍ، ولكن.. هل هذا الحلم ممكن؟! هل ثمة فرصة حقيقية لإنجازه في المستقبل المنظور. تكمن علة العرب في عدم تنفيذهم للحد الأدنى لما اتفقوا عليه، وهو ما أكده أمس الأول سمو أمير دولة قطر الذي اعترف أمام القمة أن رئاسته للدورة المنتهية للقمة لم تشهد تحقيق أية إنجازات، والأمر ليس في المجال السياسي فحسب. لكنه يطال الجوانب الاقتصادية والزراعية والصناعية والأمنية.. حيث لا يمكن لأحد أن يتحدث عن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا البرامج التعليمية، ودفع مسيرة العمل العلمى إلى الأمام لأن كل ذلك يبقى في “دائرة الحلم” مادامت الأدوات غائبة. لا بأس من أن نحلم، لكن دعونا نرى، ونسمع، ونعرف كيف تخططون لتحقيق الحلم، افتحوا نوافذ المعرفة للمواطن العربي، انصتوا إلى شكاواه، هيّئوا له فرص التعليم الجيد، والرعاية الصحية الجيدة، وفرص العمل الجيدة، لكن كل هذا لن يتحقق بغير الإنصات إلى المواطن أولاً.. جميل أن نحلم.. خطير أن نتوهم.. وقد أضاع العرب عقودًا طويلة في ملاحقة ما تبيّن أنه أوهام، لا يبددها سوى المزيد من الشفافية، والمزيد من الإصلاح، والمزيد من المشاركة، والمزيد من الوعي.. نريد أن نتّحد ونحن مفتوحو الأعين، متفقون على الأهداف، وعلى الوسائل، وعلى الأدوات أيضًا.. الاتحاد العربي حلم جميل طال انتظارنا له في مقاعد الصبر والتأمل، ونأمل أن يتحقق بشروطه ومقدماته المنطقية، والعملية، والسياسية، ليصبح واقعًا قابلاً للاستمرار .