لم أجد في كل المرشحين المتنافسين على منصب رئاسة الجمهورية في السودان من يثير الاهتمام، أو يشير إلى أن حزبه أعمل فكره بصورة إيجابية قارئة للمتغيرات التي حدثت في الساحة السياسية سوى حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن عبدالله الترابي؛ حيث قدّم عبدالله دينق نيال «المسلم» القادم من جنوب السودان؛ من نفس المنطقة التي قدم منها الراحل جون قرنق. فهذا الترشيح يدعم بصورة كبيرة فكرة «الوحدة الجاذبة» التي عجز طرفا اتفاقية «نيفاشا» عن تحقيقها منذ أول يوم من توقيع الاتفاقية وحتى هذه اللحظة، حيث ظلت المناكفات والصراعات قائمة بينهما. ليجئ حزب المؤتمر الشعبي ب»عبدالله» الجنوبي المسلم نموذجًا لمرشح لا يمكن الاختلاف عليه إذا وضعت اعتبارات «الوحدة» في الحسبان بتقديم مرشح من منطقة قام الصراع فيها أساسًا على فكرة إنهاء السيطرة الشمالية على منصب رئاسة الجمهورية، ليكون بذلك أول مرشّح من جنوب السودان لهذا المنصب، كما أن «عبدالله» يزيد من «حرج» الشمال باعتناقه للإسلام بما ينسف راسخ القناعة لدى قطاع عريض فيه يرى ضرورة أن يتولى الرئاسة «مسلم» و»شمالي»؛ اتساقًا مع توجه الأكثرية في السودان. كما أن عبدالله دينق نيال استطاع أن يقدم نفسه من خلال برنامج « مجهر سونا» بصورة مدهشة، بدا فيها مرتبًا، وسدد «لكمات» موجعة لحزب المؤتمر الوطني من واقع معرفة وثيقة تمتد لسنوات طويلة منذ أيام «التيار الإسلامي» و»الجبهة القومية الإسلامية»، و»المؤتمر الوطني»، قبل أن تدق «منشم» عطر العداوة بينهما ليأخذ «دينق» موقعه مع «الترابي» في «المؤتمر الشعبي».. غير أن انتساب هذا المرشح إلى حزب المؤتمر الشعبي يضعه هو الآخر في «حرج» كبير.. فالذاكرة السودانية ما زالت تنظر إلى «المؤتمر الشعبي» بوصفه وجهًا من وجوه «المؤتمر الوطني»، بل ترجعهما معًا إلى مربعاتهما الأولى المنظورة في «الإخوان المسلمون» و»الجبهة الإسلامية القومية» بكل حمولات الغبن والرفض لما أحدثاه من تخريب ودمار وممارسات لم تنجح السنوات في طمسها أو غسل أوضارها. فلو أن المؤتمر الوطني – مثلاً - قدم مرشّحًا بمواصفات «عبدالله دينق» لكانت المعادلة السياسية قد تغيّرت لصالحه كثيرًا، ولكن آثر أن يبقي على «البشير» مع كل الخلافات والتحفّظات التي تشير إلى عدم قدرته على ممارسة دور الرئاسة كاملاً في ظل مطاردة «الجنائية» له. [email protected]