يعاني الكثير من مصابي “الفشل الكلوي” من غلاء أثمان الأدوية خصوصًا بعد إجراء عمليات الزراعة لهم، إضافة إلى طول الانتظار من أجل الحصول على موعد جلسة غسيل، وبالمقابل يتكبّد بعض المرضى مشقة المواصلات للذهاب إلى مراكز الغسيل. “المدينة” التقت عددًا من هؤلاء المرضى، ورصدت معاناتهم التي قال عنها مدير المركز السعودي لزراعة الأعضاء الدكتور فيصل شاهين إنها في طريقها إلى الزوال، مشيرًا إلى ارتفاع عدد المتبرعين إلى 27 متبرعًا خلال شهرين فقط هذا العام، واصفا الرقم ب “قياسي” مقارنة بالعام الماضي. إلى ذلك حذّرت دراسات علمية متخصصة في مجال علاج مرضى الفشل الكلوي من مخاطر تعاطي الأدوية العشوائية، وخصوصًا العشبية منها، مشيرة إلى ارتفاع معدل المصابين إلى 750 لكل مليون شخص في العام الواحد، وحثت على اتخاذ برنامج يومي يراعي اختيار مواد غذائية مفيدة للجسم، والابتعاد عن المأكولات السريعة، وممارسة الرياضة بشكل يومي. رحلة العلاج يقول إبراهيم الشرقاوي -أكثر من 70 عامًا- إنه يعاني من الفشل الكلوي منذ عامين، حيث بدأت معاناته مع رحلة العلاج ومرارة الانتظار في جلسات الغسيل بمعدل ثلاث جلسات أسبوعيًّا، إلاّ أنه استدرك لافتًا إلى وقفة أبنائه المشرفة معه في محنة المرض، مشيرًا إلى أنهم يقومون بمساعدته في مشاوير الذهاب والإياب من وإلى مركز غسيل الكلى بمستشفى الملك فهد (وسط جدة)، وقال إنه تعوّد على ذلك خلال الفترة الماضية، وأعاد هيكلة برنامج حياته اليومية، وتكيّف مع المواعيد المتوالية في الغسيل، فأصبح محور حياته ينتظم بانتظام جلسات الغسيل، وأشار في ذات الوقت إلى التعامل الجيد من قِبل الأطباء والممرضين والممرضات في المركز، رغم شكواه من طول الانتظار بسبب قلة أجهزة الغسيل الكلوي فيه. غلاء الدواء بدوره قال فهد عبدالمصلح الرويلي إنه يأتي إلى محافظة جدة قادمًا من المنطقة الشمالية (سكاكاالجوف) بسبب عدم توفر الأدوية والغسيل في منطقته، وأنه يتكبد معاناة السفر من أجل الحضور لجلسات الغسيل كل ثلاثة شهور تقريبًا، مشيرًا إلى أن المعاناة التي استمرت معه طيلة فترة إصابته بالفشل الكلوي منذ سبع سنوات انتهت بعد إجراء عملية الزراعة التي تكفّل بتكاليفها المالية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد آل سعود -جزاه الله خيرًا-، وأبان انه بسبب ارتفاع تكاليف الأدوية وعدم توفر بعضها أصبح يتسوّل الدواء من قِبل بعض المرضى الذين يقابلهم في ذات المركز، مشيرًا إلى انه يتعاطى دواء يتجاوز ثمنه 1600 ريال، وبسبب وضعه المالي الذي وصفه ب “المتردي” لا يستطيع أن يشتريه من الصيدلية، والمركز لا يؤمّن مثل هذه الأدوية مرتفعة الثمن، لافتًا إلى أنه تقاعد من العسكرية، ولا يوجد لديه تأمين طبي يستطيع من خلاله مواصلة مشوار العلاج الذي سيستمر طيلة فترة حياته. وقال إن قائمة الانتظار طويلة جدًا، ففي يوم الغسيل ينتظر المريض عدة ساعات من أجل إجراء عملية الغسيل الكلوي، وذلك بسبب نقص الأجهزة، وطالب بأن يتم تدارك هذه السلبيات من أجل التخفيف عن المرضى. مضايقات العمل ويقول الشاب (محمد) إنه بعد أن اكتشف إصابته بالفشل الكلوي تغيرت حياته بالكامل، مشيرًا إلى أنه في بداية الأمر قبل ثلاث سنوات تقريبًا عانى من حالة نفسية وتدريجيًّا أصبح الأمر واقعًا معاشًا، إلاّ أنه انتقد طريقة تعامل الكثير من المحيطين به، ففي العمل أصبح يعاني مضايقات كثيرة بسبب كثرة خروجه لإجراء الغسيل الكلوي كل أسبوع، وأصبح يحسم من راتبه بشكل مستمر. وقال إن الدولة -أعزها الله- وضعت العديد من القوانين التي تحمي مرضى الفشل الكلوي من تسلّط جهات العمل ومضايقاتهم، إلاّ أن هناك بعضًا من العمالة في المؤسسات الأهلية لا يتفهمون هذه الأنظمة، ويقومون بمضايقات عديدة حتى يجبروك على ترك العمل، والتخلّص منك، وأشار إلى أنه أوقف مشروع زواجه بسبب الإصابة بالفشل الكلوي، ومع استقرار وضعه الصحي سيستأنف مشروع الزواج بعد أن صارح أهل خطيبته بالمرض وتفهموا الأمر. أجرة الليموزين وصورة أخرى لمعاناة مرضى الفشل الكلوي روتها مريضة تنتظر دورها أمام مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الملك فهد، تقول أم إبراهيم، وهي امرأة كبيرة في السن إنها لا تجد مَن يساعدها ماليًّا في تأمين بعض الأدوية التي لا تعرف من أين تأتي بها، وبسبب ارتفاع أسعارها فإنها حاولت الوصول إلى المسؤولين في الشؤون الصحية، ولكن باءت محاولاتها بالفشل، وقالت أيضًا إن أجرة الليموزين لا تجدها في بعض الأيام لحضور جلسات الغسيل الكلوي. عالة على المجتمع ويضيف أحمد، وهو رجل طاعن في السن إنه بعد أن أُصيب بالمرض قبل أكثر من 20 عامًا تقريبًا، لم يعد قادرًا على العمل وكسب رزقه، وانه بسبب الآلام المبرحة أصبح يأتي إلى المركز كل ثلاثة أيام في الأسبوع، وأشار إلى أنه بحاجة إلى إجراء زراعة للكلى، ولكنه لا يستطيع تأمين ثمن العملية، وأضاف إنه يعيش الآن بمفرده بعد أن أصبح حسب قوله “عالة” على المجتمع، وتركه الأهل والأصدقاء بسبب مرضه وحاجته الماسة للمساعدة، ويقوم عامل آسيوي بمساعدته في البيت مقابل السكن معه دون مقابل.