كلّما حلَّت مناسبة “أسبوع المرور الخليجي” وأعلنت فيه المديرية العامة للمرور أرقام المخالفات، وعدد الحوادث، أُصاب بنوع من الاكتئاب، ذلك لأنَّ الأرقامَ تكشفُ عن فشل هذه الإدارة في التقليل من نسبة الحوادث التي تؤدّي في معظمها للوفاة، أو العجز الكلي، ومع إيماننا بالقدر إلاّ أنَّ ضعف الإدارة، وسلبية الرقابة، وعدم مواكبة المستجدات في الأنظمة المرورية التي تُطبّقها على الأقل الدول الخليجية المجاورة، ساهم في تنامي عدد هذه الحوادث المؤسفة، ففي الوقت الذي يبحث فيه رجال المرور عن (الظل) وأجهزة التكييف، تظل الشوارع “سداح مداح” أمام المستهترين من متسابقي (الفورمولا ون)، ومن الذين لا يجدون متعة في القيادة إلاَّ مع استخدام هواتفهم النقالة بعيدًا عن أعين الرقابة. يقول مدير الإدارة العامة للمرور في مؤتمره الصحافي الذي عقده بمناسبة أسبوع المرور الخليجي: (إنّ إدارته سجلت 483 ألف حادثة مرورية خلال العام الماضي، نتج عنها وفاة 6458شخصًا، وإصابة 36 ألفًا آخرين)، فتصوّروا معي، كيف قابلت أُسر أولئك المتوفّين وأُسر المصابين هذه الحوادث؟ وما هي انعكاساتها عليهم؟ فالأرقام التي ذكرها مدير الإدارة العامة للمرور ليست بالقليلة، وهي نتيجة لا تبدو جديدة، أو حتى مفاجئة بالنسبة لإدارة المرور، ذلك لأن سجلاتها اعتادت على تسجيل أكثر منها خلال السنوات الماضية، ولم يُكلّف أحد نفسه لدراسة هذه الظاهرة المتنامية بأكثر من جلسة (شاي) مع بعض المسؤولين من وزارة النقل والشؤون البلدية والقروية، وهي اللجان التي أُوكل إليها (العناية بالسلامة المرورية). إنَّ ما أورده هنا قد لا يُعجب سعادة اللواء سليمان العجلان، الذي أكنُّ له كل تقدير واحترام، ولكنني فضَّلت أن أكون صادقًا معه، وأقول له بأنَّ إدارات المرور ركّزت في عملها على الجوانب الإدارية، وأغفلت الجانب الفني والرقابي، الأمر الذي انعكس عليه تنامي المخالفات، وزيادة الحوادث، فالصحيح هو احتياج الشارع لرجل المرور ليُنظم السير، ويساهم في درجة الانضباط المروري ب (هيبته) أكثر من الحاجة إليه في المكاتب لزيادة التعقيدات الإدارية. نريد ذلك الجندي والضابط المتجهّم والعابس عند الإشارات الضوئية المرورية، وليس في مكاتب الاستعلامات، وتجديد الرخص والاستمارات. أُريد هنا أن أسأل سؤالاً واضحًا لكل المسؤولين في إدارات المرور لدينا: لماذا يحرص المواطن على احترام أنظمة المرور حينما يزور (دبي وأبو ظبي والبحرين وسلطنة عمان)، بينما لا يلتزم هنا بربط الحزام، وإعطاء الأولوية لمَن هو في الدوّار، وأن يمتنع عن الحديث بالهاتف أثناء القيادة؟! فلولا العقاب الذي ينتظر سائق التاكسي في دبي لما كان يطلب من الراكب ضرورة ربط الحزام، أو النزول من السيارة. انظروا إلى ما يفعله سائقو الليموزين في بلادنا، إنهم لا يلتزمون حتى بربط الحزام، و(يقرقرون) كثيرًا بالهاتف في ظل انعدام الرادع، ومن خلال هذا الأسبوع الذي تحتفل فيه إدارات المرور الخليجي، أرفع آيات التهاني للمديرية العامة للمرور لدينا، وآمل أن تعمل على دراسة هذه المشكلة، وأن تضع الحلول اللازمة لها، وتحد من قسوة هذه الأرقام المفزعة عن طريق تعديل المسار المتهاون مع العابثين بأرواحهم وأرواح الآخرين، بتكثيف العقوبات، وإنزال رجل المرور للشارع لضبطه. والله من وراء القصد.