كثير من الكلمات تتردد اليوم عبر أدبيات الوعظ المحض، والمحاضرات التي يحاول أصحابها أن يتخذوا لها صبغة علمية تجعل لها عند الناس قبولاً، بل وتتسرب هذه الكلمات إلى الإعلام مسموعاً ومقروءاً ومشاهداً، لتؤسس لفكرٍ الغرض منه إقصاء المختلف أو المخالف، وتبحث عن معنى أو مدلول لها واضح فلا تجد، فهذا الذي يصر أن يسمي فئة ينتمي إليها بأنها إسلامية إنما يريد في الغالب أن يقصي من يختلف معه فكراً أو توجهاً بدعوى أنه لا ينتسب إلى الإسلام، وقد يكون للفئة التي ينتمي إليها من الأقوال والأفعال ما يتصادم واقعاً مع كل ما جاء به الإسلام من قيم ومقاصد، وهو بذلك يلبس على الناس حقاً، بجعل النسبة لا تتحقق إلى الإسلام إلا بما اجترحه من فكر ورأي، وقد جاء الإسلام ديناً لكل البشر ولا يقبل الله منهم سواه، وفي دائرة الاختلاف حول فهم الإسلام وتطبيقه بين أهله المعتنقين له، لا يصح أن يفرق من أجله بينهم، بادعاء أن منهم منتمياً إليه وآخرين أعداء موهومين له، ومثله من يقسم الذين يتداولون الرأي عند الاختلاف إلى شرعيين ودنيويين، فمن المعقول أن ينسب الحكم المجتهد فيه إلى الشرع والشريعة، على اعتبار أنه مستنبط من النصوص الشرعية، وأما أن ينسب إليه عالم أو طالب علم، فهذا مما لم يعهد لا في زماننا ولا الأزمنة التي خلت، فالخلق كلهم يجب أن يلتزموا بأحكام الشرع التي ألزمهم بها الله، ولكنهم حتماً وإن فعلوا لا ينتسبون إلى الشرع و حدهم، لا بمعنى أنهم وحدهم المتحدثون باسمه، ولا بمعنى أنه يحتكرون العلم به وتطبيقه، فالشريعة مخاطب بها البشر كلهم، والمطبقون لها هم من آمنوا بها، وهم بالنسبة إليها سواء، ومن الغباء أن يطلق على أحد من الخلق أنه شرعي، وكأن غيره لا مشروعية لوجوده أو هو بعيد عن امتثال الشريعة، فلغة الاستحواذ هذه لم تظهر إلا على ألسنة من قل علمهم، ولم يدركوا حقيقة الدين، ولم يعرفوا حقيقة الدنيا، خاصة من خاضوا اليوم غمار الإعلام الذي اسموه زوراً إسلامياً، وهم غير مؤهلين للعمل في الإعلام ولم يتخصصوا فيه، وليسوا على علم بالشرع ولا يسعون إلى الإلمام به، ومع هذا يوزعون الالقاب على الخلق دون أن يعرفوا لها مدلولاً، وتعجب لهم يطلقون لقب العالم على من لا يعرف من العلم الا قشوراً، أو من هو إن علم خالف الشرع فكان بذيء اللسان شتاماً لعاناً، أو يطلقونه على من لا يستريح حتى يلمز الخلق ويهمزهم، بل ويصدر الفتوى بتكفيرهم أو تفسيقهم أو تبديعهم، وأقل ما يصف به مخالف رأيه، بأنه منافق، وهو إن عرى كلامه عن شيء من هذا فلن تجد في ما يقول علماً، بل ويلقبون من لا يتورع عن الخوض في اعراض الخلق خاصتهم وعامتهم، ويدعي عليهم بما ليس فيهم بهتاناً منه، بأنه العالم الرباني وما علموا للربانية معنى ولا امتثلوا لها سلوكاً، وهو معنى لا يصح أن ينسب إليه اليوم أحد من طلاب العلم، ولبعضهم ما نعرف من اقوال شاذة وجرأة على الفتوى وتسرع بها ملاحظ، يحكمون على الناس والاشياء بما لا يصح أن يحكم به عليهم، بل لعل بعضهم يتجاوز حده فيزعم أن مثل هؤلاء هم المرجع في العلم والعمل، وهم ابعد ما يكون منهما واقعاً، ان اطلاق الكلمات على ما لا تدل عليه اصبحت سمة عصرنا وللأسف، بين من يدعون انهم علماء ودعاة، وهم اليوم كثر تسمع بهم وقد تقابلهم كل يوم، فهم لا يتوارون من الناس خجلاً رغم ما يرتكبون من اخطاء فادحة، ولا بد للعقلاء من ان يكشفوا أمر هؤلاء للناس ليحموهم من تسلط افكارهم المنحرفة عليهم، فاذا الحق يصير باطلاً، والباطل ينقلب حقاً، والصالح من الخلق يوسم بالعاصي، والعاصي يضفي عليه لقب الطائع فتختلط الامور، انها الفتنة حقاً التي تحل بالمجتمعات في زمن الجمود والتراجع، حينما ينتشر الجهل ويغيب العلم، والتي نوه عنها سيدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- حينما قال : «إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» فهل وعى عقلاؤنا هذا وعالجوه قبل ان يستفحل، هو ما أرجو والله ولي التوفيق،