لما كانت المهرجانات قبلةً لجمع الناس وتعارفهم وتآلفهم، فقد ظهرت الحاجة إليها، ودعت إليها الدول والمنظمات المختلفة، ما يؤسس للتثاقف والحوار بين المشاركين ، مما يزيد من الانفتاح الايجابي بين الشعوب وأفكارهم وثقافاتهم . وقد درجت المملكة على إقامة المناسبات الثقافية السنوية، ومن هذه المناسبات مهرجان الجنادرية الثقافي، إذ يحمد للقائمين عليه استضافتهم -قبل سنوات عدة- للمفكر الغربي صاموئيل هنتنغتون مبتكر «نظرية صدام الحضارات»، وكان الغالبية –إن لم يكن الكل- آنذاك ضد هذه النظرية، ولم يمنع هذا ادارة المهرجان من استضافته، ما يدل على تقبل الآخر مهما كان رأيه، ويكون الرد من خلال الحجة، والحوار البناء، والمجادلة بالتي هي أحسن. من هنا تنبع أهمية إقامة المهرجانات لما لها من قيمة وأثر في دفع عجلة التثاقف والتحاور لا الصدام . وفي هذا العام تشهد الجنادرية مشاركة مقدرة من أهل الشأن والاختصاص من السودانيين أمثال د. منصور خالد المفكر السياسي السوداني، وغيره من المشاركين الذين لم يسبق لهم زيارة المملكة العربية السعودية ، حيث أصبح الآن لمثل هذه المهرجانات والمؤتمرات العلمية حضور فاعل في كل البلدان على مستوى العالم ما يغني الساحة الفكرية بكثير من المنتجات في مختلف أضرب الفكر والثقافة . ومهرجان الجنادرية يمثل وجهاً مشرقاً للمملكة العربية السعودية، إذ يقوم بدور تعريفي تثقيفي، لا يقتصر اهتمامه بالتراث الشعبي السعودي فحسب -على أهمية هذا التراث- بل يعد منارة ثقافية للفكر والرؤى في كل ضروب الثقافة على اختلاف مجالاتها، حيث يُعد هذا المهرجان امتداداً للدور التنموي للحضارة الانسانية، واستمراراً لما تقوم به المنظمات العالمية والإقليمية في الحفاظ على الفكر والثقافات المختلفة. إذ لا يقل دورها عن دور المركز العالمي للتراث باليونسكو والذي يهتم بالتراث العالمي ويعنى بالمحافظة على الأثر التاريخي وحماية تنوع المضامين الثقافية، ويعقد مؤتمرات في هذا الشأن لحماية التراث العالمي الثقافي. إذن فلا مندوحة من أن يهتم مهرجان الجنادرية بالتراث والتاريخ والثقافة السعودية، وذلك لأن هذا التراث يمثل حضارة عريقة لشعب عريق. ويقوم مع هذا الدور بأدوار أخرى تغني المؤتمرين بكثير من التحاور والتثاقف، مع ضمان حرية الرأي والرأي الآخر. وبهذا فإن مهرجان الجنادرية يسهم في التنمية الاجتماعية والثقافية، ويحافظ على وجه المملكة المشرق بين الشعوب .