لا يكاد ينجو مثقف من هنّة، ناهيك عن من يحترف الهنّات،إذ أن الثقافة شأنها شأن أي مهنة، فيها الأصلاء والدخلاء، والفاضلون والفضوليون، وربما طالت قائمة الوصف التي بقدر ما تبعث الفرح، تثير بذات القدر الألم في دواخلنا خصوصًا حين يتعمد بعض المثقفين أن يخرج من دائرة عفوية الأخطاء إلى قصدية الخطايا. عرفت عبده خال في مساء قروي بعيد عبر مجموعة قصصية “ليس هناك ما يبهج” ويبدو أن شيئًا منها تلبسني، إذ إن مساحة البهجة في داخلي غدت تتقلص تقلص المدرجات الزراعية في منطقة الباحة! وليس بالمستغرب ولا المستعجب أن يفتح عبده خال أعين قارئ مبتدئ على أنه كلما زادت ثقافتك زادت تعاستك!! قرأنا عبده مقالاً، وقصة، ورواية فاكتشفنا أنه أسدى إلينا معروفًا، ربما عن سبق إصرار منه، تمثّل في حفاظ الإنسان على نقائه فينا، وتماسكه، ونجح عبده في تجاوز منابر الخطباء والوعاظ في إعلامنا اليومي، حين أسس مدينة إنسانية تسكننا ونسكنها بجهود فردية من جنوبي نبيل. ذات صيف كنت أتوقف مع أجمل وآثر رواية استلت من ذائقتي دائرة إعجاب،”مدن تأكل العشب” أضحكتني، وأبكتني، وسخرت مني، وكلما لامسني مقطع بعثته عبر الجوال إليه، وبعد أن أثقلته رسائلي، أرسل الرد التالي “أنت مغفل يا علي، تضيع إجازتك الصيفية على قراءة رواية لعبده خال، انشر استمتع بوقتك ودع عنك مشاريع المثقفين”!! ومن باب العناد له والتشفي دخلت عوالم الطين ونباح واستعدت الموت حين مر بنا !! حين قابلت عبده بعد عقدين، لم تتملكني دهشة أو صدمة اللقاء “بالمنتفخين، والمنتفشين” وجدت البياض يشف عن روح فيها من الطفل براءته وشقاوته، ومن الكبار القدرة على تجاوز الهموم الصغيرة وإذابتها في الهم الكلي العام، إضافة إلى حس ساخر يجعلك تضحك من صدق إحساسه وهو يضحكك لكنه لا يضحك عليك!! عبده حمدت وحدتك حين أسهمت في نيلك بعض ما تستحق، وأعلن من هنا احتجاجي وشجبي لأي تكتل أو لوبي ضاغط لدعمك في نيل قابل الجوائز لأنك بالوحدة صنعت منا اتحادًا أسميه “اتحاد عشاق أدب خالٍ من الهنات”.