لفت انتباهي تعليق الزميل الدكتور سالم سحاب على أن نواحي أمنية ضمن الأسباب التي دفعت بها هيئة الاتصالات لتبرير قرارها منع شركات الهواتف المحمولة من ميزة الاستقبال المجاني للمكالمات أثناء التجوال الدولي، وتساءل حينها الدكتور سالم عن أي جانب أمني في هذا الموضوع، وهو ما دفعني إلى انتظار إيضاح الهيئة لهذا الجانب، ثم أعلنت هذه الصحيفة عن حوار أجرته مع معالي محافظ الهيئة حول قرارها، وبالفعل نُشر الحوار الذي أجراه الأستاذ فهد الشريف مع محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الدكتور عبدالرحمن الجعفري، بتاريخ 8/3/1431ه، فاطلعت عليه، ووجدت أن دفوعات رئيس الهيئة وتبريره للقرار تمثلت في أربع نقاط رئيسية، الأولى: أن «حقيقة الأمر ليس قضية تجوال دولي، الأمر يتعلق بالشبكة الواحدة والعروض المشابهة لها» الثانية: أن أول من طرح الخدمة هي شركة زين، «فاشتكت الشركات الأخرى من هذا الأمر، على أساس أنهم سيتضررون، لأن هذه المنافسة غير عادلة، وغير مقبولة». الثالثة: «وجدت الجهات الأمنية أن هذه الشبكة الواحدة تسببت في دخول شرائح اتصال من دول أخرى، وبدأت تُباع في السوق المحلية، وشرائح تُباع من شبكة زين السعودية في الخارج، وأصبح هذا مشكلة تنظيمية في الهيئة» و»أن الشرائح الخارجية لن تكون بالطبع مسجلة لدينا في المملكة». الرابعة: أن هناك جوانب اقتصادية «تتمثل في فقد الاقتصاد الوطني بعض الدخل، وجاءت من المالية دراسة تبين أن هناك ضرراً مالياً». ويضيف معالي المحافظ أن الهيئة «كلفت مكتبين استشاريين لدراسة هذا الأمر، بالإضافة إلى دراسة داخلية قام بها خبراء من الهيئة، فوجدنا أن احتمالية وجود أضرار أمنية واردة، كما أن هناك تأثيرات على الاقتصاد الوطني». وتحدث أيضاً عن مخاطر المشغل المسيطر .. وقد جاءت إجابات معالي المحافظ في سياقات غير مقنعة –على الأقل من وجهة نظري-، وتؤكد غلبة الذهنية التقليدية على تفكير الهيئة وكذلك الجهات الأخرى، برغم التغير الكبير الذي تعيشه البشرية -ونحن في المملكة من ضمنها ولسنا في معزل عنها- سواء فيما يتعلق بعولمة المنافسة، أوتبادل المعلومات، أو تبادل المنافع الاقتصادية. ولعلي أبدأ من موضوع المشغل المسيطر، وهو على علاقة بالنقطة الأولى وهي شكوى الشركات من خدمة الشبكة الواحدة التي طرحتها زين السعودية، وأتساءل هل المشغل المسيطر الذي يُشير إليه معالي المحافظ وهو شركة الاتصالات السعودية هو من طرح خدمة الشبكة الواحدة، أم أنه اضطر إلى طرح الخدمة المنافسة لها وهي الاستقبال المجاني للمكالمات ؟؟ فإذا كان المشغل المسيطر هو من يشكو من منافسه الذي طرح خدمة الشبكة الواحدة، وفرض عليه تقديم عرض الاستقبال المجاني لعملائه، فعندها يُصبح قرار الهيئة الأخير هو في صالح المشغل المسيطر وليس العكس. وأما ما يتعلق بالجوانب الأمنية، فإنني أيضاً أتساءل أليس بالإمكان مطالبة الشركة التي طرحت خدمة الشبكة الواحدة أن توفر المعلومات عن الشرائح التي تدخل إلى المملكة للجهات الأمنية التي تحتاجها، والعكس صحيح أي توفير المعلومات عن الشرائح السعودية التي تتمتع بخدمة الشبكة الواحدة للجهات الأمنية في الدول الأخرى إذا طُلبت ؟؟ إن خبراء الهيئة والجهات الأمنية هم أعرف الناس بما وفرته تقنيات الاتصال والمعلومات من إمكانية للتتبع لأي شريحة، وعلى أي بقعة على وجه الأرض مغطاة بشبكات اتصال، وبوجود شبكات الأقمار الصناعية يمكننا أن نقول وجه الأرض كله مغطى، ويمكن التتبع للأغراض الأمنية بكل سهولة، من خلال اتفاقيات شركات الاتصالات المتحركة، واتفاقيات الجهات الأمنية التي يتم توقيعها في العادة بين الدول. ولعل أبرز مثال يُثبت ما حدث من تطور في مجال التتبع للأغراض الأمنية، ما بثته وسائل الإعلام عن تتبع شرطة دبي لخيوط جريمة الشهيد محمود المبحوح، في وقت قياسي، بما فيها الاتصالات الهاتفية، وبطاقات الائتمان، ووجهات السفر .. إلى آخره .. وأما الجانب الاقتصادي، والإشارة إلى أن الاقتصاد سيفقد بعض الدخل ذكّرني بما نردده دائماً حول حجم تحويلات العمالة الوافدة، وإغفالنا لمساهماتهم في الناتج المحلي، والخدمات التي يقدمونها، وآثارها على التنمية وعلى الرفاه الإجتماعي، والتي تقدر بأضعاف ما يقومون بتحويله. فخبراء المالية والهيئة نظروا إلى الفقد لاقتصادنا الوطني، ولم ينظروا لمكاسب المواطنين أثناء تجوالهم، والتي تُعد فقداً أيضاً للاقتصادات الوطنية للدول التي يزورونها. بقي أن أقول أن الأخبار التي تتداول عن عزم الهيئة إيقاف خدمة البلاك بيري، مالم تستجب الشركة المقدمة للخدمة لمطلب الهيئة بإيجاد سيرفرات داخل المملكة، أنه ربما يكون الأمر ذا علاقة أيضاً بجوانب أمنية، وهو ما يدعونا إلى التفكير بشكل جدي في تقليد التجربة التركية في هذا المجال، بتأسيس سيرفرات لعموم خدمات الانترنت الوطنية، لأسباب أمنية بمفهوم أوسع، يتعدى الأمن المرتبط بتتبع الجرائم وأعمال التخريب، وذلك بدلاً من الاتجاه إلى إلغاء الخدمة .. الشيك بدون رصيد في تصوري أن مشكلتنا مع الشيكات بدون رصيد تكمن في تطبيق النظام، وليس في صدور قرارات جديدة، ولذلك ما أراه هو أن يتم اعتماد تاريخ قرار مجلس الوزراء الأخير حول الشيكات بدون رصيد نقطة تحول حقيقية لفرض النظام، واستعادة الوظيفة الحقيقية للشيك، وأن أي حالة تحدث بعد هذا التاريخ يتم التعامل معها بشكل سريع وحاسم، فإما الأداء وإما العقوبة الفورية، كما يحدث في العديد من دول العالم، وأما القضايا المنظورة في هيئات الحسم التجارية أو المحاكم، قبل صدور القرار، يُحدد لها أيضاً فترة زمنية لتطبيق النظام الحاسم والفوري .. وبغير ذلك ستصدر القرارات تلو القرارات، وسيبقى الأمر على ما هو عليه .. وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، والمتضرر هو الوطن واقتصادنا الوطني !! فاكس: 5422611-02 [email protected]