منذ تقاعدت عن العمل في 03/03/1429 (مارس 2008) آثرت أن أقيم في مكان شهد جزءا غاليا من طفولتي وذلك في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي حيث تلقيت علومي الأولى وقضيت فيها جزءا من طفولتي وشبابي. ورغم أنني تنقلت بين أماكن كثيرة خارج الوطن عربية وأجنبية، إلا أن القاهرة ظلت بيتي الثاني الذي أحن إليه وأعود إليه كلما هفني الشوق، وكانت خطة الإقامة فيها بعد التقاعد عن العمل هي في قمة أجندتي التي كنت أعدها استعدادا لمرحلة ما بعد التقاعد . وما أن حصلت على حريتي من الوظيفة - بعد أربعين عاما من العمل الذي تقلبت فيه ما بين التدريس الجامعي في مقتبل حياتي الوظيفية، ثم وكالة وزارة الإعلام، ثم الانخراط في العمل الدبلوماسي سفيرا في وزارة الخارجية، وبعدها تشرفي بعضوية مجلس الشورى في دورته الثانية (1418 – 1422ه)، وانتهاء بآخر مهمة لي وهي العمل سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في كندا - حتى بدأت في تنفيذ خطة أو برنامج التقاعد بالإقامة في القاهرة التي لا تبعد سوى الساعة والنصف عن عروس البحر الأحمر جدة ( مدينتي التي أعشقها حتى النخاع ). غير أن هذا فسره بعض الأصدقاء والمعارف بغير حقيقته التي ذكرتها عاليه فأخذه البعض منهم إلى أبعاد ليست في عقلي ولا خاطري. والواقع ببساطة هو أنني أمتلك في القاهرة مقر إقامتي الذي أسكن فيه .. وهو الأمر غير المتوفر لي في جدة حيث أقيم في شقة مستأجرة. كما أنني في القاهرة أستطيع أن أعيش براتبي التقاعدي حياة أكثر رفاهية، حتى لا أقول أكثر كرامة، حيث تتوافر العمالة من سائق إلى طباخ إلى عاملة منزل .. تسعى إليك دون الحاجة لاستجدائها من مكتب العمل أو غيره، ناهيك عن توافر الجو الثقافي الحر الذي يمكن أن أستثمره في شغل وقتي وهوايتي في المطالعة والكتابة دون كثير من المُنغصات التي قاربت على إدمانها. وفي النهاية .. هناك من يعشقون مدنا يرون فيها راحتهم. فهناك من يرى في باريس مدينة النور وعروس المدن، وآخرون يرون في لندن عشقهم وراحتهم .. وهكذا ، وإذا كانت فيرونا الإيطالية هي مدينة الحب التي احتضنت مفردات أحداث رواية «روميو وجولييت» للكاتب العالمي شكسبير، وبذا أصبحت هذه المدينة وجهةً لكل من يبحث عن دفء العشق. فإن القاهرة هي المدينة التي احتضنت مفردات كثير من أحداث روايات نجيب محفوظ وغيره من كبار الكُتاب المصريين، لكنها وقبل هذا وذاك هي بالنسبة لي المدينة التي احتضنت طفولتي وجزءا من شبابي وذكرياتي. لذا فأنا أعشق القاهرة وأجد فيها راحتي. قد لا تكون قاهرة اليوم هي تلك القاهرة التي نشأت فيها في بداية الستينيات الميلادية .. ولكن كذلك أنا لست نفس الطفل ثم الشاب الذي عاش في تلك الفترة الثرية من تاريخ مصر بل وتاريخ العرب. فإذا كانت هي قد هرمت .. فكذلك أنا ولمثلها تنجذب الأشياء.