فجأة عاد اسم أحمد الجلبي لتصدر عناوين الأخبار الآتية من العراق، إذ نجح بجرة قلم في شطب خمسمائة مرشح للانتخابات البرلمانية القادمة معلناً عدم صلاحيتهم للترشح لعلاقتهم بحزب البعث المنحل مستخدماً هيئة أعتقد الكثيرون أنها اندثرت.. وانطلقت التساؤلات حول أهداف أحمد الجلبي من حملة (الاستئصال) التي يقوم بها خاصة بعد أن أعلن أحد مساعديه، على فيصل اللامي، أن هناك المئات من العاملين في الاستخبارات العراقية، والجيش وأجهزة الأمن المختلفة مرشحين لفقدان مناصبهم لعلاقتهم بحزب البعث.. وأن: «هناك الآلاف الذين يمكن اكتشافهم» لاستئصالهم من أجهزة الدولة. نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة مهمة للعراق ولجيران العراق أيضاً، ومن الواضح أن أحمد الجلبي يسعى لتهيئة الأجواء لتحقيق نتائج عبر هذه الانتخابات تصب لمصلحة طرف ما.. فقد نجح الرجل عبر تأثيره على المحافظين الجدد في أميركا والذين تولوا السلطة في عهد جورج بوش الابن، في إقناع الأمريكيين بأن العراقيين سوف يستقبلون جنودهم بالورود عندما يقومون باحتلال العراق.. ثم نجح مرة أخرى في إقناعهم بأن من المصلحة طرد العاملين في أجهزة الدولة من رجال أمن وجيش وإدارة وتفريغ البلاد من أي جهاز دوله بحجة (اجتثاث البعث) ثم أعاد تشكيل العراق بإدارة جديدة كان معظمهم من اللاجئين العراقيين الذين عاشوا فترات طويلة في إيران وتحت سيطرة الإيرانيين.. وعندما أعلن الأميركيون، عام 2004، أنهم اكتشفوا أنه عميل للمخابرات الإيرانية، خسر نفوذه معهم، ولم يكن (هو وإيران) من المرحبين بالخطوات التي اتخدها الأمريكيون لإدخال العشائر السنية في أجهزة الدولة عبر ما أتفق على تسميته «بالصحوات العشائرية». وخلال السنين القليلة الماضية نجح الأميركيون، الذين يسيطرون إلى حد كبير على مقاليد الحكم في العراق، على تشجيع عودة العراقيين سنة وشيعة إلى العمل السياسي مع بعضهم البعض، والنظر إلى مصالح البلاد قبل التركيز على المصالح الطائفية الضيقة.. ونشأت تحالفات سياسية بين أحزاب شيعية وسنية لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، بل وجرت حوارات مؤخراً فيما بين بعض الفصائل المسلحة مع ممثلين من القوات الأمريكية، وذلك في تركيا، إلا أنها لم تؤد إلى نتيجة، كما يبدو حتى الآن. ويعتقد عدد من المهتمين بالشأن العراقي أن التحالفات المتجاوزة للاعتبارات الطائفية مثل (القائمة العراقية) التي يقودها رئيس الوزراء العراقي السابق، إياد علاوي، وهو شخصية شيعية، ويشارك فيها نائب الرئيس العراقي السابق، طارق الهاشمي وعدنان الباجة جي إلى جانب أحزاب أخرى، أثارت قلق الموالين لإيران في العراق.. إذ إن هذه التحالفات قد لا تؤدي إلى بروز رئيس وزراء عراقي من الطائفة السنية، ولكنها ستؤدي إلى نجاح جماعات سياسية وطنية لن يهمها التحالف مع ايران بقدر اهتمامها بالمصلحة الوطنية العراقية. وبالإضافة إلى (القائمة العراقية) فهناك تحالفات أخرى مثل (ائتلاف وحدة العراق) برئاسة وزير الداخلية السابق، جواد البولاني، الذي حظي بتحالف قيادات سنية من «الصحوات العشائرية» معه، مثل أحمد أبو ريشة وأبوعزام التميمي.. وبرزت كذلك (جبهة التوافق الوطني) التي ضمت «الحزب الإسلامي» بقيادة أسامة التكريتي وأياد السامرائي.. وسعى كل من رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، إلى أن يضم إلى ائتلافه (دولة القانون) جماعات عشائرية وسياسية سنية إلا أنه لم ينجح بجذب سوى أفراد غير بارزين وكذلك الأمر بمنافسيه من الطائفة الشيعية الآخرين (الائتلاف الوطني) الذي تشكل من المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري والمؤتمر الوطني العراقي (أحمد الجلبي) وتيار الإصلاح (إبراهيم الجعفري). وسعى رئيس الوزراء، نوري المالكي، عبر إعادة الاعتبار إلى عشرين ألفاً من أفراد القوات المسلحة الذين جرى استبعادهم في السابق في أن يكسب المزيد من الأصوات السنية. أحمد الجلبي حسبما أوردت صحيفة (الواشنطن بوست) يستخدم من قبل إيران لإثارة النعرات الطائفية عبر قرارات لجنته الإقصائية بحيث يقاطع العراقيون من الطائفة السنية الانتخابات ويفوز بها رجال الدين الشيعة الموالون لإيران، وأنه سيحقق، في حالة نجاحه، الفوز بجائزة يمنحها له الإيرانيون هي رئاسة وزارة العراق، حتى يقوم بالمزيد من عمليات الإبعاد من الأجهزة الأمنية والعسكرية ودوائر الدولة لغير الموالين لإيران وإحلال الموالين لها محلهم.. وهو بذلك سيدخل البلاد في دوامة عنف جديدة. إلا أنه من الواضح أن محاولات استفزاز العراقيين لم تنجح هذه المرة، وواصل من تبقى من المرشحين السنة والشيعة غير المتفقين مع توجه أحمد الجلبي معركتهم الانتخابية للفوز بمقاعد البرلمان والمشاركة عبر ذلك في تشكيل الحكومة المقبلة وتحديد وجهة العراق لسنين قادمة.. وفي مثل هذه الانتخابات التي تجري بمشاركة أعداد كبيرة من الأحزاب والتجمعات السياسية والعشائرية، كما هو الحال في العراق اليوم، من الصعب التكهن بنتائج تصويت الناخبين.. إلا أنه يبدو واضحا أن الملايين من العراقيين المؤهلين للانتخاب سوف ينطلقون إلى مراكز الاقتراع يوم السابع من مارس (الأحد القادم) لاختيار مرشحيهم في المجلس النيابي القادم.. وبعد فرز الأصوات الذي قد يستغرق أسبوعين سنعرف الوجهة القادمة للعراق.