بين بعض الجهات التنفيذية في بلادنا ومفاهيم حقوق الإنسان سنوات ضوئية طويلة، فتراها تتصرف وكأن ليس للإنسان قيمة أبدًا، هي تصرفات تُبنى عن خلل عميق في فهم واجباتها وحدود مسؤولياتها وعواقب إجراءاتها. تقول عكاظ (26 يناير): إن المحكمة الإدارية في جدة تنظر في دعوى مواطن تأخر إطلاق سراحه بعد انتهاء محكوميته لمدة 5 أشهر كاملة. وبررت سجون جدة ذنبها بأن مرجع المواطن (أي جهة عمله) طلبت تسليمها السجين بعد انتهاء فترة سجنه، لكنها لم تفعل في حينها، فرفعت إدارة السجن إلى المرجع الذي لم يستجب بدوره مما اضطرهم إلى (رمي) الرجل في السجن شهورًا إضافية حتى يتفضل المرجع فيبتّ في أمره !!. يبدو أن إدارة سجون جدة لم تر في هذا السجين سوى طرد بشري (كرتونة) لا فرق بين بقائه خلف القضبان أو خارجها، فكله عند العرب صابون، وعند إدارة السجن طرود!! السؤال الأهم: هل هذه ممارسة (عادية) في سجون جدة أو بعض سجون المملكة؟! بمعنى هل شكوى هذا المواطن شاذة في مقابل الحالات الأخرى التي تكتفي بالصمت بعد مكوثها شهورًا إضافية دون وجه حق لمجرد أن مرجع فلان أو كفيل فلان لم يأت لاستلام (الطرد) البشري الذي أمر بإبقائه خلف القضبان حتى يتسنّى له المرور يومًا لاستلامه؟! ثقافة حقوق الإنسان لا تبدأ من المدارس فحسب، فتلك توعوية خالصة، لكن من الجهات التنفيذية التي تملك أدوات الحجز والسجن والتحفظ! يتوجب على هذه الجهات أن تكون على الحياد تنفذ أوامر القضاء لا غير. وعلى أي جهة أخرى أيا كانت اللجوء إلى القضاء لتمديد فترة السجن بصورة نظامية بعد استكمال إجراءات التقاضي اللازمة. ولذلك وحسب الخبر، فإن قضاة الدائرة الإدارية المعنية (اعتبروا استمرار حبس المواطن مخالفًا للنظام، وأنه لا يمكن تمديد سجن المواطن إلاّ بحكم قضائي، وليس لمرجعه أي صلاحية في هذا الصدد). وخير عقاب للمتسبب في الحبس الإضافي، أن يُودع في الحبس نفسه للفترة نفسها، إذ التعويض المالي وحده لا يكفي رادعا ولا زاجرا!!