لم يكن واقع الاندية الثقافية والادبية يبعث على السرور ويستدعي الاشادة في المرحلة السابقة حتى تاريخه ولا يتأتى نكران ذلك الا لمن ينكر ضوء الشمس من رمد او سواه. كما انها دعوى لا يعوزها الدليل الا كما قال متنبينا نفسه: وليس يصح في الأفهام شيء اذا احتاج النهار الى دليل فاستهلت الاندية الادبية والثقافية مسيرة تكوينها بانتقائية عجيبة كادخال شعبان في رمضان ورأينا بين جنباتها من ليس له علاقة بها، وهو ما افضى الى ان تكون نقطة البدء مزرية حينما احتدم الصراع وكيلت التهم بحياكة الدسائس والمؤامرات للوصول الى سدة الرئاسة ثم اعقب ذلك سلسلة من الاستقالات في عدد من الاندية دللت على خطأ كامن في التكوين وتنافر بين عناصر المسيرة اقعدها عن الاستمرار وفق الطموحات التي يتطلع اليها مجتمع يرى وفرة الامكانات ولا يرى ما يتساوق معها من اهداف ونتائج. ثم تسنى لنا ان نشهد نشر الغسيل الرديء في وضح النهار بما يندى له الجبين ويصدم المجتمع وهو يرى العناصر التي يتوخى عن سلوكياتها المثالية والاهداف السامية تعمد الى الدسائس وصياغة المزالق وتقديم المصالح الشخصية. لذلك فليس من الخلق ولا من المنطق ان نضع العراقيل امام من سيقوم للتصدي للشأن الثقافي قبل مجيئه وينحصر دورنا ككتاب ومثقفين في صياغة الرؤى والافكار المحفزة لمؤازرة من يضحي بقبول هذه المهمة على عاتقه فنحن نتجاوز مفهوم الاشخاص نكن لهم الود او نبطن لهم الكراهية ونشرئب نحو الاهداف السامية العليا في بناء وطن وصياغة مجتمع من خلال بلورة افكار ومقترحات تدفع بعجلة النهضة الثقافية نحو الامام او الى الاعلى. فأمتنا في عوز لكل اسهامة تفضي بنا الى التميز وتقود بلادنا وامتنا نحو معارج الرفعة وسلم الارتقاء. ولست بمتجاوز الحق والصواب في الاعتقاد بان من يفد الى هذه المهمة سيكون محظوظا وسيجد من فرص النجاح والتفوق ما يرضي ضميره ويثلج صدر المسؤولين عن ما سيتحقق على يديه فهو سيجد وزيراً يمنحه الدعم والتوجيه وسيجد مناخاً قابلاً في شقه الثقافي للاصلاح والتطوير، شريطة ان يتوخى تقى الله ومخافته. وسأبدأ بذاتي في تقديم مقترحات قابلة للدراسة لمن سيقدم لهذا المنصب الثقافي سبق ان طرحتها قبل اربعة اعوام. أولاها التفكير في امكانية سن مبدأ الانتخابات، فإذا تعذر ذلك فالفكرة التي سأطرحها تغني عن اللجوء الى الانتخابات. فالاندية الادبية فكرة قديمة عفا عليها الزمن ولم تقترن الا بظاهرة الصراعات والاشكالات والبديل العصري هو فكرة الجمعيات. فبوسعنا صياغة عدد من الجمعيات في كل مدينة. مثل جمعية الشعراء وجمعية النقاد وجمعية المسرحيين وجمعية السرد وجمعية السينمائيين وجمعية الكتاب وجمعية الفنانين وجمعية التشكيليين وجمعية المصورين وجمعية المهن الفنية كالديكور والاضاءة وبوسعنا ان نضيف ما يستجد من جمعيات او ما غاب عن ذهني حالياً. وبالامكان ان تندرج هذه الجمعيات تحت مسمى (المجتمع الثقافي) على ان تكون الرئاسة دورية لتنتفي النزاعات او ان تنتقى شخصية اعتبارية مجمع على تقديرها ففي جدة يحضرني كمثال اسم الشاعر محمد اسماعيل جوهرجي الذي بدأ كتابة الشعر في المرحلة الثانوية واصدر ديوانه (احلام الصبا) في تلك المرحلة بتقديم مدير مدرسة الملك عبدالعزيز انذاك الشاعر الاستاذ محمد سليمان الشبل، وسيكون منصب الرئيس للمجمع تشريفياً واشرافياً للاطلاع والتنسيق على اعمال اللجان. ويبقى ان يسهم المجتمع من خلال شخصياته ورجالاته وتجاره خاصة من خلال الغرفة التجارية لتشييد مبنى يضم اجنحة لكل لجنة جناح مستقل كجناح الشعر وجناح النقد وهلم جرا. على ان يتضمن المبنى قاعة ضخمة للمحاضرات وصالتين لعرض الاعمال الفنية واحدة ولعرض الصور الفوتوغرافية اخرى. كما يضم المبنى مسرحاً لاداء العروض المسرحية وصالة للعرض السينمائي وقاعات لورش العمل المختلفة ومع التوسع في الامكانات يمكن ان تضاف الى الخطط المستقبلية تشييد المطابع لتجهيز المؤلفات والنشرات والملصقات. ان الافكار كما قال الجاحظ: ملقاة في الطريق، ومن يفد للتصدي لمسؤولية هذه المساحة متسلحاً بايمانه بالله ثم بقدراته متشحاً بالاخلاص لدينه ومليكه ووطنه سيحظى بالتوفيق والنجاح وستتكسر كل عصا تلج عجلة عربته.