خلافًا لما كانت تنتظره الساحة الثقافية والأدبية والفكرية في المملكة العربية السعودية بشأن إقرار لائحة الأندية الأدبية والشروع في عملية الانتخابات لاختيار مجالس إدارتها أسوة ببعض منظمات المجتمع المدني التي اتخذت من الانتخابات وسيلة لاختيار أعضائها الذين يمثلونها في الإدارة، خلافًا لهذه التوقعات أصدرت وزارة الثقافة والإعلام قرارًا بالتمديد مدة سنة واحدة لأربعة من مجالس الأندية الأدبية هي نادي الرياض الأدبي، ونادي مكةالمكرمة الثقافي، والنادي الثقافي الأدبي بجدة، ونادي المنطقة الشرقية الأدبي.. لتنقسم الساحة حيال هذا التمديد وهي التي ظلت تنتظر وتترقب البدء في إجراءات التحضير للانتخابات تتم عملية الانتخابات وتشكل الجمعيات العمومية ولكن لم يتم شيئًا من ذلك.. فالبعض رأى في هذا القرار استبشارًا بأن لدى الوزارة رؤية جديدة للأندية الأدبية إما أن تكون بتشكيل جمعياتها العمومية وبإجراء الانتخابات أو تتغير صورة المشهد الثقافي كما أشار وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة في وقت سابق بأن تتحول هذه الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية بين كل هذه الوجهات من النظر فيما أشار البعض إلى الصدمة التي تلقتها الساحة بعد قرار التمديد مصحوبًا ذلك بانتقاد لحال الأندية الأدبية الراهن وعجزه عن إدارة دفة الثقافة والفكر وعدم قدرتها على إنجاز التحول المطلوب منها والذي أنشأت من أجله.. جملة هذه الآراء المتقاطعة والمتساوقة في سياق هذا التحقيق.. فترة انتقالية الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي الأدبي بجدة آثر أن يستهل حديثه بالإشارة إلى «أن المرحلة المقبلة للأندية الأدبية مع وزير الثقافة والإعلام معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة هي محطة تحوّل في مسيرة وتاريخ هذه الأندية الأدبية».. نافذًا من ذلك إلى رؤيته حول قرار التمديد والتي تتجلى في ثنايا قوله: لا يعتبر قرار وزارة الثقافة والإعلام الأخير بالتمديد لأربعة من رؤساء مجالس إدارة الأندية الأدبية تجديدًا؛ بل هي فترة ومرحلة انتقالية حتى تتم الانتخابات، وحددت هذه المدة بعام واحد فقط دلالة على ذلك، وحتى يتم النظر في كثير من قضايا وأمور هذه الأندية الأدبية. ويمضي القحطاني في حديثه قائلاً: إن العمل الثقافي في الأندية الأدبية هو مسألة اجتهاد في نهاية الأمر، فإن أصاب العاملون فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، ولا يوجد من يحدد ما إذا أخطأت الأندية الأدبية في تلك المرحلة الماضية؛ بل الكل مختلف على النشاط الثقافي والدوريات والمطبوعات، ولن تستطيع أن ترضي جميع الفئات في المجتمع، ولن يستطيع أي ناد أن ينال الرضا كل الرضا من قبل المثقفين في أي منطقة ما. فكل ما نريده ونطمح إليه هو الجدة والدقة والأمانة العلمية والطرح الجيد الذي نحترم من خلاله عقول المتلقين، وبعد أن نحقق هذا الطموح يمكن أن نختلف أو نتفق، وما يهمنا هو أننا حاولنا أن نقدم ما يخدم الشأن الثقافي من خلال نادي جدة الأدبي. ويضيف القحطاني: لا ينبغي لنا أن نركن ويجب علينا ألا نستسلم أو نتثاءب؛ فلا نركن إلى تاريخ النادي ونحسب أنه سيدافع عنا في المرحلة الحالية، أو نستسلم لأي عقبة تعترضنا بل نحاول وبإصرار على تخطيها وتجاوزها في سبيل تقديم عمل ثقافي يخدم المجتمع.. ويختط القحطاني حديثه واصفًا أمر الاستقالات التي برزت على السطح في كثير من الأندية الأدبية بالأمر الطبيعي؛ حيث يقول: وضع الاستقالات في مجالس إدارات الأندية الأدبية في الفترة الماضية أمر طبيعي، وربما قام بها البعض لتسجيل موقف ما؛ ولكن العمل الثقافي سائر بهم أو بغيرهم ولن يضر ناد أدبي استقالة واحد أو اثنين، كما إني أطمح إلى إشراك النساء في مجالس إدارات الأندية الأدبية في المرحلة المقبلة؛ فإذا كان هناك تشكيل أو انتخابات فإنه من الضروري وجودهم في مجالس الأندية الأدبية والاستماع إلى أصواتهم والأخذ بآرائهم. تريّث قبل إصدار الحكم ويبدي الدكتور سهيل قاضي رئيس مجلس إدارة نادي مكة الأدبي تفاؤله حيال المرحلة المقبلة بقوله: لم أكن متفائلاً للشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام كثيرًا في المرحلة الماضية، وفي تجربتها السابقة، لأنها لم تكن مثمرة بالشكل الذي كنا نريده أو نتوقعه منها، ولكن دعونا اليوم نتريث قليلاً خاصة بعد قرار التمديد هذا حتى نسمع خطط العمل المقبلة لكل هذه الأندية الأدبية ومن ثم يمكن أن نقدم حكمنا عليها بالسلب أو بالإيجاب. ويرى قاضي أن ظاهرة الاستقالات التي كانت تعاني منها الأندية الأدبية في الفترة الماضية وربما لم يسلم منها ناد أدبي واحد فقد عمتها كلها كانت كل تلك الاستقالات بسبب خلل كان في طريقة التشكيل والتكوين لمجالس إدارات الأندية الأدبية في المرحلة الماضية.. ماضيًا إلى القول: الآن وكما نرى بقيت مجالس الأندية الأدبية والتشكيل الماضي كما هو ولم يتغير فيه شيء بل ربما مدد لبعض هذه المجالس فكيف يمكن أن نفترض جديدًا ونحن لم نغير شيئًا؟، وعلينا أن ننتظر إلى صدور اللائحة العامة للأندية الأدبية وعلى ضوئها يتم التقييم، وفي ظل عدم وجود لائحة إلى الآن فلا يمكن الحكم على شيء ما ولكن التفاؤل أمر مطلوب للمرحلة القادمة. ويضيف قاضي: كما أن على اللائحة أيضًا أن تتطور وتتجدد وتتغير كذلك وفقًا للرؤى والتغيرات الجديدة التي يحملها معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، فإذا كانت النية بأن تتحول الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية فإن اللائحة بشكلها الحالي لا تتواكب مع هذه النظرة وعليها أن تنسجم مع الواقع المفترض والذي يراه الوزير. وذيّل قاضي حديثه موردًا رأيه في مشاركة المرأة في مجالس إدارات الأندية الأدبية بقوله: برأيي لا يوجد مانع أو مسوغ يمنع النساء من الدخول في مجالس الأندية الأدبية لا في اللائحة الماضية ولا ينبغي أن يوجد في اللائحة المقبلة بشرط أن يحسن اختيارهن، وأن يتأكدوا من الشخصيات التي يودون اختيارها من رغبتهن في العمل الثقافي والاشتراك مع الرجل في صياغة وتكوين المشهد الثقافي في المملكة. رؤية أخرى ويستبشر الدكتور عالي القرشي عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي بهذا التمديد الذي قامت به وزارة الثقافة والإعلام لأربعة مجالس من إدارات الأندية الأدبية لمدة سنة واحدة، معللاً استبشاره بقوله: إن هذا القرار يدلل على أن لدى الوزارة رؤية أخرى للأندية الأدبية، ولذلك نعوّل كثيرًا على الرؤية المقبلة خاصة ما يطرحه معالي وزير الثقافة والإعلام من إنشاء للمراكز الثقافية ذلك أن إنشاء هذه المراكز سيعيد الحراك الثقافي عبر النشاطات التي يقدمها الشباب من خلال تجاربهم الإبداعية المختلفة، ولعل هذه المراكز تستطيع أيضًا استقطاب الروّاد وأصحاب التجارب المتميزة في أنشطة الأندية الأدبية. ويؤكد القرشي أن فكرة إنشاء المراكز الثقافية هو محور تفاؤل وليس تشاؤم، ماضيًا إلى القول: الأندية الأدبية قد أدت دورها طوال تلك الفترة السابقة والدور المقبل أكبر من أن تستوعبه هذه الأندية الأدبية لأن مصادر الثقافة تنوّعت وأصبحت أشمل من مفهوم الثقافة الحالي، والتحدي القادم إذا ما أنشئت هذه المراكز الثقافية هو أن إدارتها تختلف تمامًا عن إدارة الأندية الأدبية. في انتظار الانتخابات ويقول الشاعر محمد الحمد رئيس مجلس إدارة نادي حائل الأدبي: إننا لازلنا نعيش على أمل وجود الانتخابات في الأندية الأدبية، وننتظر أن يتم تشكيل الجمعيات العمومية وإجراء الانتخابات، ولعل التمديد لبعض هذه الأندية الأدبية من قبل وزارة الثقافة والإعلام هو بظني لهدف تكوين الجمعيات العمومية للأندية الأدبية وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن خلال الأشهر المقبلة. ويختم الحمد حديثه بقوله: لو شمل هذا التمديد الذي تقوم به وزارة الثقافة والإعلام مجلس إدارتنا في نادي حائل لربما يكون لنا رأي آخر.. مع وقف التنفيذ ويشارك المهندس حمود بن عليثة الحربي عضو مجلس إدارة النادي الأدبي بالمدينة المنورة متناولاً الوضع الراهن للأندية الأدبية بقوله: إن إصلاح الأندية الأدبية بطريقة فردية لم يعد أمرًا ممكنًا ولن تكون قادرة في صيغتها الحالية علي اتخاذ وتحقيق التحولات الجذرية المطلوبة للتنمية في مجتمع يتسم بثبات الأصول ومرونة الحركة في مواجهة متغيرات الحياة. وإن السبيل إلي ذلك ليس بالقفز إلى الاستنتاج الذي يبدو لنا أيسر منالاً وإنما نصبح في وضع أكثر مساعدة علي أداء الواجب إذا ربطنا الإعانة السنوية بعدد الأعضاء وأنفقنا قليلاً من الوقت في دراسة تجلي الصدأ عن الحقيقة.. وتؤسس لأندية ثقافية تؤدي واجبها نحو مجتمعها لأنه المبرر والموجب الطبيعي لوجودها والفعل الجيد هو الذي يتم في الوقت المناسب. ويتابع الحربي حديثه مضيفًا: إن البعد الثقافي يظل جوهريًّا في عملية التنمية الشاملة، ويظل دفع الحركة الثقافية إلي المستوي الذي يجعلها تساير التطور الذي تعيشه المملكة هدفًا يتواتر معناه في كل الخطط التنموية. إلا أن هذا الاشتباك بين الثقافة والتنمية يطرح السؤال عن دور الأندية الأدبية كمنابر إعلامية لقادة الرأي ودورهم في معالجة قضايا الرأي العام ومتغيرات الحياة والتعامل مع الزخم الثقافي العالمي. ويواصل الحربي حديثه منتقدًا حال الأندية الأدبية بقوله: إنني استغرب حيال قضية خضوع الأندية الأدبية، ينبوع الحكمة، لسلطان الرتابة والثبات، فمنابرها تفقد التأثير علي مواقف الناس من قضايا الحياة المعاصرة ويغيب دورها في بناء الرأي العام وتكوينه، وتمزق علاقاتها بالمثقفين في زمن أصبحت مصادر الثقافة فيه خارج السيطرة، بل إنه من عجائب الزمان أنها أندية لا عضوية فيها إلا لأعضاء مجالس الإدارة، فبمنطق يظل بالنسبة لعامة المثقفين منطقًا لا حياة فيه جمد نفاذ لوائح الأندية وبهذا ألجم حلم اليقظة بسبات عميق وأصبح رفض عضوية الأدباء والمثقفين سلوكًا براقًا - لتكييف عقولنا وفقا لأساليب العزلة المعتادة- يعزى للتوجيهات بعدم التطرق للأعضاء ونظام العضوية والجمعية العمومية. وقال الحربي: إننا لا نؤمن بمقولة الرتق كبير والرقعة صغيرة. فليس أيسر من النظر إلي الوراء والتماس المبررات. ولا نتوهم أننا هنا بإزاء أفراد ولا نحيط الأندية بهالة من القدسية تجعل انتقادها والتدخل في شئونها ضربًا من التطاول بل أنه من حسن الحظ أن ينبع فينا بين الفينة والفينة نفر يحملنا علي التفكير حملاً لإزالة الخلل وإصلاح الواقع وتقوية البناء وأن هذه من المبادئ والحدود التي ننطلق منها خاصة حين يتجلي أننا مخطئون في موضوع نعتبر أنفسنا من أصحاب الكلمة الفصل فيه. خلاصة حديث الحربي أجملها في قوله: إنني وإن لم أكن على سعة العلم الذي يستلزم الأمر إلا أن الله قد أودع هذا القلب ألمًا لهذه الحالة البائسة يدفعني إلي استخدام ما أوتيت من قليل العلم والبصيرة وأن أبذل في هذا السبيل جهدي المستطاع وادعوا الله أن يهبنا صدقًا في الرأي وتعاونًا في العمل. صدمة التمديد وخلافًا لما يقول به الحربي وهجومه على الأندية الأدبية يرى القاص محمد علي قدس نجاح الأندية في قيادة دفة العمل الثقافي والأدبي منذ إنشائها، حيث يقول: منذ أن تأسست الأندية الأدبية قبل أكثر من ثلاثين عامًا (منذ 1975م)، وهي تمارس، دون أدنى شك، دورها الذي أنشئت وتأسست من أجله، وهو دور وطني وقومي، سواء من حيث تفعيل الأنشطة الثقافية أو العمل على بلورة وتكوين الوعي الثقافي، والعمل على دعم الإبداع الأدبي، أو القيام بدورها الأسمى في التنمية الثقافية، ودفع مسيرة النهضة الأدبية وحركة النشر في هذا الوطن. وقد أثبتت الأندية دورها الحقيقي في بلورة فعاليات المشهد الثقافي، وأصبحت جزءًا مهمًّا في المنظومة الثقافية الوطنية. وفي ضوء ثنائه على دور الأندية الأدبية يؤسس قدس موقفه من قرار التمديد بقوله: ويأتي التجديد لمجالس إدارات الأندية الأدبية لتأكيد الثقة في الرؤساء والأعضاء الذين تم التمديد لهم لمدة سنة واحدة، خاصة وأن الأندية التي جدد لمجالس إداراتها تعد الأندية الأكثر نشاطًا، والتي حققت خلال الأربع سنوات الماضية نجاحات وإنجازات، كان لها دورها الرائد في تفعيل الحركة الأدبية، فقد حققت ما يسهم في نهضة مسيرة نمونا الثقافي والأدبي، والمساهمة في تحقيق أهداف المشروع النهضوي لثقافتنا الجديدة. ويعود قدس بالحديث متناولاً ما يدار حول شأن الأندية الأدبية بقوله: نحن وإن اختلفنا في مسألة تقويم أداء هذه الأندية، وما قد نلحظه من سلبيات وأخطاء، وهو ما يواجهه كل عامل مجتهد، ولعلنا نقف هنا وقفة تحية وتقدير لرجل له مقومات المسؤول المثقف الذي حمل هموم ثقافتنا ومثقفينا، الصديق الخلوق الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، الذي قدم استقالته بعد أن أسهم في خلق مناخ ثقافي صحي جديد، وروح إبداعية شابة في الأندية الأدبية، التي نهضت بدورها الوطني في التنمية الثقافية والإسهام في بلورة الوعي الثقافي، وتفعيل الأنشطة الثقافية. ورغم أن الكثير قد صدم بالتمديد، وقد أملوا في أن تصاب الأندية بعدوى ثقافة الانتخابات. فتبدأ منظومة المنافسات بين المثقفين للحصول على مقاعدهم في مجالس إدارات الأندية، والمشاركة في دفع مسيرتها.