* إذا كان رفع الأصوات بالحناجر والأقلام وشتم الدول وإهانتها من قبل فئة من الكتاب والإعلاميين وأئمة المساجد ناتجاً عن الشعور بالغبن أو اليأس، أو ناتجاً عن الرغبة في إعلاء الشأن الذاتي أو بسبب إفرازات نفسية.. فإنها جميعها أشبه بفقاعات تذروها الرياح ولا تعيد الحقوق لأصحابها. * لقد مورس هذا الأسلوب (غير الحضاري) على مدى سنوات عديدة ولم يغير على أرض الواقع والممارسات، ولم تعد الحقوق لأصحابها بل زادت الأمور تشويشاً وتشويهاً وضاعفت تلك الدول من تمسكها بمواقفها وسياساتها المنحازة وواصلت دعمها غير المحدود لإسرائيل وتدنت صورة العرب لدى العالم المتمدن. * هل سأل هؤلاء أنفسهم لمرة واحدة عن الجدوى من هذا الصراخ والشتائم ومن يستمع إليهم وهل أدركوا أن ردود الأفعال الناطقة والمكتوبة لا يسمعها ولا يقرأها غير الرأي المحلي.. فالرأي العام الأمريكي والغربي بصفة عامة لا يقرأ صحفنا ولا يفهم لغة قضايانا ولا يستمع لإذاعاتنا وبالتالي يظل فقط مقتنعاً بما يسمعه ويقرأه ويشاهده عبر أجهزة إعلامه.. فمن يا ترى يخاطب هؤلاء؟! * من المفارقات أن تلك الفئة (الصارخة الشاتمة) تمارس التناقض بين أقوالها وأفعالها وربما قناعاتها.. فهي من جهة تصرخ وتشتم الدول الأخرى ومن جهة ثانية تتغنى بها وبحضارتها وعلومها وثقافتها وفنونها وتقنياتها وتعتمد على بحوثها ونتائج اختراعاتها وصناعاتها، وتستخدم وسائل اتصالاتها وطائراتها وسياراتها وتحرص على نيل الشهادات العلمية من جامعاتها، وتسافر إلى بلدانها، وتتغنى بديمقراطياتها.. فأي منطق يجمع هذه المتناقضات؟! * لو كانت الحروب وإعادة الحقوق تتم بالتعصب ورفع الأصوات والشتائم لما احتاجت الدول إلى مؤسسات وقوانين وخبراء وعقول وطاقات وإمكانات ووسائل عقلانية.. ولربما احتل العالم العربي معظم الكرة الأرضية.. لكن ما هكذا يا سادة تورد الإبل. * فإسرائيل الطارئة بمساحة احتلالها الصغيرة وعدد سكانها المحدود عرفت منذ البداية من أين وكيف تؤكل أكتاف المصالح، وسخرت إمكاناتها وعقول أبنائها لبلوغ الأهداف التي تسعى إليها، وتوغلت في أعماق تلك الدول حتى صارت جزءاً من مكوناتها الاقتصادية والتجارية والإعلامية والسياسية وحتى الثقافية.. واستخدمت الحنكة السياسية والإعلامية دون الحاجة للسباب والشتائم وحققت ما تريده. * أما في الجانب العربي فإننا لا نجد سوى الشجب والاستنكار وردات الأفعال التي تتلاشى في مكانها.. وقد حفظت تلك الدول هذه الأساليب ووضعتها في خانة العاجزين.. ولذلك لا تأبه بكل ما يقال ومضت في سياساتها الداعمة لإسرائيل والمتجاهلة لحقوق العرب وقضاياهم. * إننا كعرب بحاجة لمراجعة خطابنا السياسي والإعلامي وأساليب تعاملنا وتخاطبنا مع الآخرين بما يقوي مواقفنا ويخدم قضايانا.. وإيقاف منابر الشتم والصراخ التي لا طائل منها على الإطلاق سوى إعطاء الأطراف الأخرى الدليل على عدم تمدننا وعجزنا وافتقادنا للحجة والمنطق التي نقارع بها وتفهمها الدول المتحضرة.. فلنجرب ذلك ولو قليلاً لعله يعيد ما فقدناه كثيراً.. وبالله التوفيق .