المراهقة هي تلك المرحلة الحرجة التي تنقل الفرد من حياة الطفولة إلى مدارج النضج والشباب وتُعدُّ من أكثر سنين العمر ازدحاما بالتغيرات الجسمية والنفسية والعقلية وتتنازع المراهق فيها الصراعات الداخلية ونزعات التحول ومحاولات الاستقلال واثبات الذات , وتتميز فترة المراهقة عن غيرها بحساسية تلك الحالة المزاجية والشعورية المتقلبة التي يعيشها المراهق فتظهر سلوكيات جديدة تتسم بالتمرد والمغامرة والاندفاع والتحدي ويبرز الجانب العاطفي على حساب العقلاني فيغيب التفكير المنطقي المتزن بالإضافة إلى ما يصاحب ذلك من مظاهر القلق وحدّة الطباع والحيرة ومحاولات الانعتاق من سلطة الوالدين والمجتمع ! و يستوي في ذلك الجنسين إلا أن الإناث يزدن على ذلك الحرص على لفت الأنظار والاهتمام المبالغ فيه بمظهرهن وميلهن أحيانا للانكفاء وأجواء العزلة إلى غير ذلك مما يختلج عوالمهن من خجل وتذبذب وأحاسيس متأججة , ولذا يتبين لنا من خصائص تلك المرحلة أهميتها الشديدة وضرورة العناية بالمراهقين وخطورة إهمالهم أو الجهل بكيفية التعاطي معهم أو إساءة معاملتهم فهم يمثلون فئة عريضة من المجتمع وإعدادهم الجيد وتنشئتهم بطرق تربوية صحيحة تساهم إيجابيا في بناء شخصياتهم ومستقبلهم مما يرتدُّ نفعا لأنفسهم وأوطانهم , وعلى العكس من ذلك لو لم يجد المراهق أو المراهقة توجيها صالحا وتعاملا إنسانيا واعيا لسقطا في بؤر الانحراف وأتون الفساد والخلل القيمي والأخلاقي . ولأن الفتاة اليوم هي محور الحديث فلعل من المناسب الإشارة إلى بعض أشكال الانحراف التي قد تنزلق إليها الفتاة ومنها التقصير والتساهل في أداء الواجبات الدينية والعبادات كالصلاة والصيام .. , التهاون بالحجاب وآداب الحشمة , عقوق الوالدين , العلاقات المحرمة والمعاكسات , الشذوذ , إساءة استخدام وسائل الإعلام والتقنية , التشبه بغير المسلمات , المشاكسة وتحقير المعلمات والزميلات , الفشل الدراسي إلى غير ذلك .. والحقيقة أن انحراف المراهقة ما هو إلا نهاية ونتيجة متوقعة لعدة عوامل ومسببات تضافرت كلها أو بعضها للدفع بالفتاة في هذا الاتجاه ومنها غياب التربية الدينية المناسبة , إهمال الوالدين لابنتهما ونقص المتابعة , تأثير القنوات الماجنة والمجلات والروايات الهابطة ومواقع الانترنت , الجفاء والقمع الزائد أو الترف والدلال الزائد , الانبهار بالحياة الغربية وبالتالي التقليد والتبعية لها , صديقات السوء , التفكك الأسري , الفراغ , ثورة العواطف والغرائز مع غياب الإرشاد والتوجيه ... ويقع على عاتق الأم المسؤولية العظمى عن تقويم سلوك ابنتها المراهقة وحمايتها ومساعدتها على تخطي تلك المرحلة الصعبة من حياتها بسلام , وذلك بتفهُّم الأوضاع التي تمرُّ بها ابنتها وتلبية حاجة تلك المراهقة لكثيرٍ من الحب والحنان والرعاية المضاعفة مع إشعارها باحترام حريتها وكرامتها وطرح الثقة فيها دون التخلي عن الرقابة المعتدلة المعقولة , ولتجنيب الفتاة والأسرة مساوئ وتداعيات تلك المرحلة لابد أن تعي الأم أن الوقت قد حان لتكون صديقة جيدة لابنتها فتقترب منها وتصغي إليها وتتبادل معها الرؤى والأفكار وتحاورها بحكمة وهدوء مع الاهتمام بإشباع تلك المراهقة عاطفيا وتغذيتها أو تسليحها فكريا وعقليا وإشغال أوقاتها بالنافع والشيّق مما لا يتعارض مع تعاليم الدين كممارسة الهوايات كالرسم والقراءة والرياضة المنضبطة ومتابعة البرامج التثقيفية والاجتماعية والترفيهية وإشراكها في أعمال المنزل وبعض الزيارات العائلية . وأخيرا على الأم أن تتمتع بالصبر وسعة الصدر وتمنح الكثير من الحب المصحوب ببعض الحزم والصرامة وأن تلتزم منهج الصراحة والنقاش والإقناع والإطراء والتركيز على الإيجابيات ودعمها وتنميتها مع التغاضي عن الزلات اليسيرة وعدم تحقير الفتاة المراهقة أو تكرار انتقادها , ثم لابد أن تكون الأم قبل كل شيء قدوة صالحة لابنتها ومثالا أصيلا عصريا يستحق الاعجاب والفخر و الاحتذاء به .