لم يكن أبا عبد الرحمن بن عقيل معروفاً بهذه الحدة، ولا استفزاز الخصوم ،فالمنهجية التي تربى عليه هذّبت ذائقته،وأعلت لغته، وارتقت بمشاعره وحسه فاجتمعت فيه على وعي مني سماحة الفقهاء، ورصانة العلماء، ونرجسية الشعراء ،وموضوعية النقاد، وربطته بالفنون بأنواعها علاقة حميمة ، أسكنته أبراج الشجن مشحوناً بعاطفة الصوت، وفتنة الصورة، ولم يغل يوماً في رأي ولا يتطرف في فكرة، ولا جنح في قول ووجهة نظر،وأحسبه من مشايخي كون أحد خلّص أصدقائي درس عليه وكان أبو عمر حفيا بطلاب درسه في منزله ومكتبته وكثيراً ما نقل الصديق جلد أبي عبد الرحمن وحدبه على المسائل وقدرته على الترجيح والرد على الأسبقين والمعاصرين من الفقهاء إضافة إلى كرم طبع وسخاء نفس . وأحسب أن الإمام ابن حزم أثّر فيك أبا عبد الرحمن وأثراك إذ هو كما وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء ممن رزقوا ذكاء مفرطاً وذهنا سيالاً وهو الماهر في الأدب والأخبار والفقه والأشعار والمنطق والفلسفة، وإن كان البعض يأخذ على ابن حزم لغة ذوي المناصب العليا، والمقام الملوكي وجوار ذي السلطة إذ عرف عنه حين يناظر بسط لسانه وقلمه، والقسوة مع الأئمة في الخطاب، بل ربما فَجَّجَ العبارة، وسَبَّ وجَدَّع، فكان جزاؤه مِنْ جنس فعله،كما يُرجع الذهبي إعراض الناس عن تصانيفه إلى فظاظة عبارته، واحتداد منطقه في الردود على معارضيه من سابقيه ومجايليه ،وإذا كنتُ التمس العذر لابن حزم في حدة حجاجه كونه ابتلي بحساده لما عرف عنه من الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم مع ما اشتهر به من الصدق والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة. أبا عمر أحسب أن التلميذ النجيب والمتعلم الحصيف يا أبا عبد الرحمن يأخذ عن شيخه أفضل ما عرف عنه، وما سمع منه، وما وقف عليه ، وما نقل إليه وليدع ما سوى ذلك مما ينفر الناس منه، أو يزهدهم في علمه ومعرفته، وأزعم أنك جدير بالعناية من ولاة الأمر، وقدير على رد الفضل لأهله، إلا أن الخروج عن حد الكياسة في نقد أديب أو مفكر أو شاعر بحجم الدكتور غازي القصيبي ،والدكتور تركي الحمد، يجعلنا نتوقف مليا ونتأمل طويلاً فلربما كان وراء الأكمة ما وراءها، وأؤكد على نفسي أن ذمتك أغلى من كنوز الذهب، ومكانتك العلمية أرقى من أن تُبخس بشيء من متاع زائل ،أو قرب ليس وراءه من طائل، وأنت الأديب اللبيب، أقمت عبر عقود قاربت نصف قرن، جسور علاقات فاتنة مع قراءك من الأمراء والوزراء والمتأدبين فلا تغرينك زينة الحياة الدنيا بهدم ما بنيت ونسف ما قوّيت ،ولعل بعض ما ورد في موجهاتك مع صديقنا ساري الزهراني تجعلنا نطالبك بالعودة إلى مكتبك العامرة فإن للكتب رائحة مغرية،وللبحث لذة يجالد عليها البطالون بالمغري والمغوي، ونحن بمسيس الحاجة إلى وقفاتك الخالدة مع أقوال الفقهاء، وأساطين اللغة في زمن عق الفقه أهله، وتمرد اللسان على سليقته ، فهل سنحظى بوصل تتلمذ قبل نهاية المطاف، وترجل الخفاف، علماً بأن تباريحك النابضة بالوعي، وأسفارك المضمخة بالكد والجد خير أنيس لي في شتاء الباحة القارس أيه النبيل الفارس واسلم لتلميذك الجنوبي. • شاعر وأديب