ورد ذم الشعر في السنّة على العموم، ففي الصحيحين: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتّى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا»، وورد مدحه على الخصوص ففي الصحيح: «إن من البيان لسحرًًا»، وورد: «وإن من الشعر لحكمة». فأمّا المذموم فهو ما أشغل عن الحق، وعطّل عن والواجب، وألهى عن القرآن، وصدّ عن الذِّكر، وبطّأ بصاحبه عن العلم، وأمّا الممدوح فهو ما وافق الغرض، وأصاب المحز، وأعان على الفضيلة، ونهى عن الرذيلة، وحبب في الحق، وبغض في الباطل، وحمل الحكمة، وجاء بالمثل. والشعر في المسجد فيه أحاديث، حديث: «أن عمر رأى حسان ينشد في المسجد، فلحظ إليه، فقال حسان: كنتُ أنشد فيه، وفيه مَن هو خير منك، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم». وكان صلى الله عليه وسلم يقرب المنبر لحسان ويقول: «اهجهم وروح القدس معك». وورد أن وفد بني تميم أنشد شاعرهم في المسجد، وصح حديث جابر بن سلمة: «كنا نجلس في المسجد بعد الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر أخبار الجاهلية وأشعارها، ونضحك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم». وورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن الرسول صلى الله عليه وسلم «نهى عن تناشد الأشعار في المسجد». وهو عند أبي داود. وورد حديث: «من رأيتموه ينشد شعرًًا في المسجد فقولوا: فضَّ الله فاك»، فأمّا جوازه في المسجد فهو ما كان يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، واقتصد فيه ولم يعارض طاعة، ولم يصادم مصلحة. وأمّا ما نهي عنه في المسجد فهو ما وقع على وجه الإكثار، ولم يكن فيه مصلحة، ولا إليه حاجة، وصار ديدنًا للناس، وعادة للمتحدثين في المسجد. وورد أثر: «الشعر كلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام». وأردف صلى الله عليه وسلم معه على بغلته الشريد بن سويد، فأنشده مئة بيت لأمية بن أبي الصلت، كلّما أنشده بيتًا قال: «هيه»، يعني: زد، ثم قال: «إن كاد ليسلم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل». وكان ربما تمثّل بشيء من الشعر كما في حديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام تمثَّل بشعر ابن رواحة فقال: «ويأتيك بالأخبار مَن لم تزود». وقد صانه ربه عن قول الشعر؛ لئلا يظن أن القرآن شعر من تأليفه، وربما كسر صلى الله عليه وسلم البيت إذا أنشده كما في السيرة أنه قال صلى الله عليه وسلم: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فأقام البيتَ أبو بكر وقال: بين عيينة والأقرع. والبيت لعباس بن مرداس.