قالوا عن الحزن: هو الغيظ ممّن لا تستطيع الانتقام منه، والغضب على مَن دونك، وصفة الغضب تدل على القوة والمنعة، ولذلك يوصف سبحانه وتعالى بأنه يغضب غضبًا يليق بجلاله. وأمّا الحزن فإنه يدل على الخور والإحباط، وهو صفة نقص، لا يوصف الله به، وقد جمع الله بينهما في قوله عن موسى: (ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا) فغضب على مخالفتهم للمأمور، وحزن على ما فاته من المقدور، وقال المتنبئ لسيف الدولة: جَزاكَ رَبُّكَ بِالأَحزانِ مَغفِرَةً فَحُزنُ كُلِّ أَخي حُزنٍ أَخو الغَضَبِ وإنما استغفر له من الأحزان؛ لأن الحزن كالغضب. والحزن منفيٌّ عن الله شرعًا، ومنهيٌّ عنه صلى الله عليه وسلم أصلاً، وقد يقع منه طبعًا، وهو ليس مقصودًا في التعبّد، لكنه لو حصل لكان كفارة من الذنوب، لحديث: “ما يصيب المؤمن من همٍّ ولا حزنٍ ولا نصبٍ ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلاّ كفر الله بها من خطاياه”. والغضب ممدوح ومذموم، فما كان غيرة للشرع، وذبًا عن الحرمات، وإنكارًا للمخالفات. حُمِد، ولذلك صح حديث: “لا تغضب” ثلاثًا. وفي الذكر الحكيم: (فلمّا آسفونا انتقمنا منهم) أي أغضبونا، وقيل: الأسف نهاية الغضب، ويأتي أحيانًا للحزن، قال يعقوب: (يا أسفى على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم). ونهى صلى الله عليه وسلم عن الحزن، لأن الحزن لا يرد مفقودًا، ولا يأتي بفائت، وإنما يضعف النفس، ويشغلها عن عبوديتها لربها، وقد أنكر ابن القيم على الهروي حين جعل الحزن من منازل السائرين إلى الله، ولا يصح حديث: أنه كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، بل كان صلى الله عليه وسلم دائم السرور، منشرح الصدر، وهذا فضل من الله تعالى عليه، قال تعالى: (ألم نشرح لك صدرك). وكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله، وليس لنفسه، فقد سامح في حقوقه، وحلم عمّن أذاه، وصفح وعفا، ولكنه إنما يغضب لحدود الله وحرماته، فصلّى الله عليه وآله وصحبه وسلم.