لعلكم تتذكرون معي مشاهد ذلك الفيلم الكوميدي الكويتي « جامعة .. أي شيء « الذي يسلط الضوء على أحوال الطلبة غير الجادين للدراسة الجامعية ، ويقابلون بعض مفردات التعليم بالاستهتار والتعليق السخيف ، وإذا ماأقررنا بوجود مثل هذا السلوك بين بعض طلاب جامعاتنا ، فيجب أن لانطلق صفة التعميم ، فهناك من الطلبة والطالبات من هم على مستوى عال من الجدية ، وقدموا مستويات جيدة خلال مراحل تعليمهم ، وحصلوا على درجات عليا في تخصصاتهم. « جامعة أي شيء « بكل ماتحمله من معنى ، نتفق على أنه وصف قاس ، يطال كل الملتحقين بالدراسة الجامعية جادين وغير جادين ، لكنه « رأي « أو نتيجة « دراسة» لشريحة معينة من الطلاب توصل لها كاتب ( الفيلم ) ، وفي المجتمع الطلابي سلبيات كما فيه من إيجابيات ، فهناك من التحق بالجامعة دون هوى أو رغبة ، فقط من أجل شغل الفراغ في ظل شح الوظائف . لقد تزامنت رؤيتي لذلك الفيلم مع تحقيق نُشر في إحدى الصحف عن لجوء طلاب الجامعة لشراء البحوث الجامعية من متخصصين ينفذون مايُكلف به الطالب من قبل أستاذ المادة ، وهم إذ يفعلون ذلك مجبرين ، حيث يتم تكليف الطالب بعمل أكثر من بحث في الفصل الدراسي الواحد ، والإمكانيات وكذلك الوقت لايمكنان الطلاب من عمل البحوث المطلوبة اعتماداً على قدراتهم وعلى ما اكتسبوه من مهارات ، فيضطرون مكرهين إلى اللجوء إلى المكاتب الخاصة بعمل البحوث ، وبذلك تنتفي الفائدة المرجوة من وراء هذا التكليف الذي يهدف إلى تعويد الطالب على ارتياد المكتبة ، والتنقيب في الكتب ، وقراءة المراجع المتخصصة التي تتبع موضوع البحث ، وتُعده لعمل بحث تخرجه فيما بعد بالشكل المطلوب . وفي الحقيقة هناك ملاحظة قد تكون لها علاقة بموضوع استعانة الطلاب بتلك المكاتب المتخصصة بأعمال البحوث ، وتكمن في عدم التوفيق في التكليف ، إذ غالباً مايكلف الطالب بعمل بحث ليس له علاقة بتخصصه ، كأن يتم تكليف طالب الاقتصاد ( تخصص محاسبة ) بعمل بحث عن « الملف النووي الإيراني « أو حتى طالب الآداب ( تخصص علم اجتماع ) أو ( علم نفس ) بذات البحث ، أو أن يطلب من أولئك بحثاً عن « المشاكل البيئية « ، وهو خطأ ، من المؤكد لايتحمله عضو هيئة التدريس ، بل يتحمله « المرشد الأكاديمي « ، وأعتقد بل وأجزم أن هذا التوجه هو الذي دعا الطلاب للتردد على تلك المكاتب مقابل دفع الطلاب مبالغ مادية تتراوح – حسب ماذكره أحد العاملين في تلك المكاتب في التحقيق الصحفي الذي أشرت إليه - مابين 500 و 5000 ريال ! يؤكد ذلك الاعترافات التي أدلى بها بعض طلاب الجامعة والذي أوردوا فيه : « بأن نسبة 85% من الطلاب يلجأون إلى شراء البحوث الجاهزة بسبب عدم تعاون الأكاديميين معهم وإرشادهم وتوجيههم بالشكل المطلوب ‘ إضافة إلى الصعوبة في مشروع التخرج والمتمثلة في الغموض الذي يحيط بالمادة وجهلهم بأصول البحث العلمي « . يُحمد لأعضاء هيئة التدريس غضهم الطرف وعدم فحص تلك البحوث تقديراً لما بذله الطلاب من جهد ومال لتنفيذها . ويُحيَّا الطلاب على مابذلوه من جهد و( ابتكار ) فالغاية كما قيل تبرر الوسيلة . وأعود لأقول بأن الخطأ ليس خطأ مدرس المادة الذي يطبق معايير معينة لمادته ، بل خطأ ( الإرشاد الأكاديمي ) الذي وصفه أحدهم بأنه « شوربة». وكان الزميل والكاتب في صحيفة عكاظ الدكتور أنمار مطاوع أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز قد ذكر في معرض تعليقه على ذلك « أن الطالب يحرم من المادة ويسجل فيها رسوب في حال اكتشاف المشرف على بحث التخرج أن الطالب قد استعان بغيره « وهو إجراء لانشك أنه بيد كل المشرفين بالجامعة ومن أبسط حقوقهم ولا أحد يشك في نزاهة أعضاء هيئة التدريس ، ولكنها ظاهرة لايمكن أن ننفيها ، ومدرس المادة غير معني بتعقب الطلاب ليرى ماإذا كانوا قد فعلوا ذلك بأنفسهم أم استعانوا بآخرين ، فالطالب لن يضحك إلاَ على نفسه.