** قبل ما يقرب من الشهر اتّصل بي الصديق والإنسان المهذب الدكتور محمود بترجي؛ ليعلمني بلقائنا المرتقب في الغد، وبعد دقائق تسلّمت منه رسالة على الهاتف المحمول ليخبرني بأنه يأسف لعدم تمكّنه من الوفاء بالوعد لأمر طارئ، وفي نهاية الأسبوع قابلته كالعادة مع ثلة من الأحباب، وانتحى بي جانبًا ليخبرني أيضًا -بأدبه المعهود- أن سبب تأخير الموعد كان وراءه عذر عائلي، تغيّرت ملامح وجهه، وأحسست أن في الأمر شيئًا، كانت الكلمات تخرج من فمه بصعوبة، كانت ممزوجة بالأسى والحزن، وسمعتُ بالكاد كلمة -شقيقتي-! إنها مريضة، ثم أضاف -وفي نفسه لوعة تبدّت في نطقه للعبارات- إنها أخت وأيّ أخت!! وكنت -بعدها- اتحيّن الفرصة لأسأله دون أن أستثيره عن حالتها الصحية، وكانت إجابته -دومًا- ادعُ لها يا أخي! ** وأحدّث نفسي ما أصعب الأيام والليالي! تمر على مَن يرى أمًّا، أو أبًا، أو أختًا، أو أخًا، وهم يذوون أمامه، ولا يستطيع فعل شيء. وفعل الله هو الأقوى.. لقد خلق الخلق -عزت قدرته- لحكمة، ثم جعل مصيرهم الفناء؛ ليكون البقاء والديمومة والأزل من صفاته المطلقة. ** في ليلة الجمعة الماضية تسلّمت رسالة تختزن الحزن في كلماتها الموجزة، لقد انتقلت الشقيقة، وسوف ندفنها في رحاب الحجون والمعلاة، ولم أستطع أن أسمع صوته، وهو القريب من النفس، والأنيس في الشدة. ** أخي “محمود” أعلم كم هو صعب عليك فراق الشقيقة، ويبدو أنها كانت قريبة إلى نفسك، وعطوفة على والديها، وأبنائها، وزوجها، وأشقائها، ولكن لنا -جميعًا- في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.. وذلك عندما فَقَدَ ابنه إبراهيم، فقال بكلامه الموجز والمعجز والبليغ: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون.. ولا نقول إلاّ ما يرضي الرَّب)، ولعل في هذا سلوى للقلوب الكليمة وعزاء لفقد مَن نودعهم الثرى، وكأننا نودع مهجًا وقلوبًا، اللهم ارحمها، وأحسن ضيافتها، وأنزل في قلوب أهلها ما تودعه في قلوب أصفيائك من الرضا والسكينة. (إنا لله وإنا إليه راجعون)