المساعي التي يبذلها الرئيس الأفغاني حامد كرازاي لإقناع مقاتلي طالبان بإلقاء السلاح، في محاولة لتحقيق المصالحة في أفغانستان التي أضنتها الحروب، وأنهكتها الصراعات، تستحق الوقوف عندها، بعد أن أصبح من المتعذّر قراءة مستقبل هذا البلد في ظل استمرار حرب لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، ولذا فإن ما يسعى كرازاي إلى تحقيقه لاستغلال مؤتمر لندن الخاص بأفغانستان الذي سيعقد الأسبوع المقبل من خلال برنامج لا يتضمن فقط الإعفاء عن مقاتلي طالبان، بل أيضًا توفير الوظائف، والتقاعد، والأراضي الزراعية، وحمايتهم من العقاب مقابل التخلّي عن أسلحتهم، هذا المسعى يمكن أن يحظى بدعم وتأييد واشنطن، ودول إيساف فيما لو توفرت الضمانات لها على قدرة الرئيس الأفغاني على إقناع طالبان بهذا المطلب، الذي يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار لأفغانستان، ويدعم مسيرته التنموية. لا يخفى على أحد صعوبة الموقف، وتعذّر تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع لعدة أسباب، يأتي على رأسها أن طالبان ستنظر إلى كرازاي على أنه يقدم المفاوضات من موقف ضعف، إلى جانب أن هذا المقترح يأتي بعد قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيادة عدد القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان، من أجل وقف الزخم الذي حصلت عليه طالبان خلال العام المنصرم، ووقف مكاسب السيطرة التي تحققها بالمناطق المدنية، وزيادة وتيرة العمليات العسكرية التي كشفت عن إستراتيجية جديدة لها، كان آخرها الهجوم على كابل يوم 18 من الشهر الحالي، الذي استهدف ضمن ما استهدفه القصر الرئاسي، بما أعتبر على أنه رسالة موجهة إلى الرئيس كرازاي نفسه حول موقفها من الدعوة التي سبق وأن وجهها لإجراء مباحثات مباشرة مع قيادة طالبان. بيد أن ما كشفته وزارة الخارجية الباكستانية مؤخرًا عن مساعيها لتحقيق المصالحة الأفغانية في ذات الوقت، الذي يدعو فيه الرئيس كرازاي لبرنامجه يدفع إلى التفاؤل بإمكانية تحقيق هذا الهدف، لا سيما إذا ركزت الحكومة الأفغانية جهودها على صعيد تحقيق الرعاية الاجتماعية والصحية لكافة فئات الشعب الأفغاني، والعمل على استئصال الفساد الذي يشكل التحدّي الأكبر أمام الرئيس الأفغاني في إدارته للأزمة المتفاقمة في أفغانستان.