قال قيصر روما لابنه الصغير: “أنت يا بنيّ أقوى شخص في العالم، روما تحكم العالم، وأنا أحكم روما، وأمّك تحكمني، وأنت تحكم أمّك”. ومرحلة الطفولة المبكرة للصّغار من أهم مراحل تكوينهم المعرفي والسلوكي؛ حيث ينفتح الصّغير على الحياة ويرى ويسمع، وتبدأ ملكاته اللغوية والفنية تتشكّل، إذ يتسع معجمه اللغوي، ويأخذ في ترديد بعض العبارات والمقاطع المسجوعة أو الموقّعة ويتفاعل معها بالحركة ورفع الصوت والتنغيم، وفي هذه المرحلة تكون لدى الطفل القدرة على حفظ عبارات كثيرة قد لا يفهم معناها جيدًا؛ ولكن من المهم أن تكون بعض ألفاظها معروفة لديه فيستدعي بعضها بعضًا. وحين ينتظم الطفل في المدرسة الابتدائية فإنه يكون قد توفّر على معجم لغوي لا بأس به، وخبرة من المشاهدات والمعلومات التي تساعده على التصوّر والخيال، وفي هذه الفترة يمكن غرس القيم الفنّية والجماليّة لدى الأطفال على مستوى التعبير؛ حيث الكلمات أشياء، والطفل مولع بها، وكلّما تعلّم كلمة جديدة شعر أنّه اكتشف شيئًا جديدًا، يبحث في حروفها المكوّنه لها، ثم يعيد تركيبها ويتأمّلها مع غيرها في شكلها المرسوم بالحروف وفي صوتها ومعناها ويصنع معها علاقة. وهنا تبرز الحاجة إلى أهمية ضخ النماذج المناسبة من العبارات والمقاطع الشعرية والأناشيد المنظومة بطريقة تناسب فهمه وتلبّي حاجاته وتلتقي مع ما لديه من اهتمامات ومعارف، وهكذا نجد في كتب الأناشيد مقطوعات عن الأم والأب والمُعلّم والمدرسة والقلم والعلم والكتاب... الخ؛ ولكن الملاحظ في حقيقة الأمر أنّ هذه المقطوعات المنظومة ذات تكوين ضعيف؛ فهي لا تعدو أن تكون كلمات مرصوصة موزّعة على الشطرين وتنتهي بقافية موحّدة غالبًا؛ ولكنّها تفتقد إلى الدقّة في الموسيقى، حيث يوجد خلل هنا أو هناك في الوزن، ويبدو أن القائمين على هذه المناهج اهتموا بالألفاظ على حساب الوزن ولم ينتبهوا إلى أن الطفل في هذه المرحلة حسّاس جدًّا للايقاع وإن كان لسانه قادرًا على مطّ هذه الكلمة وخطف الأخرى سريعًا من أجل تصحيح الوزن ظاهريًّا في النّطق العام، وكنت أتمنّى أن تكون هناك لجان تطلب من المختصّين ومن يكتبون للأطفال نماذج أدبية وشعرية ونثرية، ويتم عرضها على اللجان، واختيار الأفضل منها، لأنّ كثيرًا ممّا في المناهج المدرسية من المنظومات لا يساعد على تكوين ذائقة شعرية فنّية سليمة للأطفال الذين سوف يُسند إليهم حكم العقل والفن والفكر مستقبلاً.