لازالت الأزمة الإيرانية مستمرة ، تتصاعد يوماً فيوما، ومن المعلوم أن الصراع في إيران يقوم بين تيارين ينتسب كلاهما إلى الثورة ، وكلاهما خرج من تحت عبائتها ، ولكل من المحافظين والإصلاحيين رؤية مختلفة في فهم أفكار الثورة وتفسير وتحديد ولاية الفقيه. لقد حاولت الثورة الإيرانية بقيادة الخميني أن تضع دستورا توائم فيه بين سلطة الفقيه وسلطة الشعب،وأن تمزج بين الفكر الشيعي والنظام الديمقراطي، وبدا لكثير من المراقبين أن إيران أصبحت دولة ديمقراطية ، تجلى ذلك في عمليات انتخاب الرئيس من قِبل الشعب، وظلت الأحوال مستقرة في إيران إبان عهد "الخميني"وذلك يعود في رايي إلى شخصيته الكارزمية، ولكن سرعان ما تبدلت الأحوال في عهد "خامنئي" الذي يميل إلى التيار المحافظ، ومشكلة هذا التيار أنه يميل إلى ترجيح سلطة الفقيه على سلطة الشعب، وهنا بدا تململ الإصلاحيين وتضجرهم من سياسة المحافظين بقيادة "نجاد"، وأظهر الاصلاحيون تأييدهم لآراء " منتظري" والذي يرى تحديد سلطة الولي الفقيه؛ بل يرى ألا يستقل فقيه واحد بالسلطة ودعا إلى إقامة ولاية الفقهاء. إن المتابع لأحداث إيران يجد أن النظام الإيراني أصبح يمارس القهر والإرهاب ضد شعبه، وأنه لم يجد لغة عير لغة الترهيب والسجون والمعتقلات والاتهامات للمعارضة ،ولقد فوجئت بتصريح ممثل "خامئني" (عباس تياسي) والذي يصف فيه زعماء. المعارضة بأنهم " أعداء الله" وأنهم محاربون لله ورسوله ، وأنه ينبغي فيه حد الحرابة عليهم الذي يتمثل في قتلهم. إن هذا يذكرني بما فعلته الكنيسة الكاثوليكية ضد المعارضين لها حيث أقامت ما يسمى " محاكم التفتش" لكل من يعارض الكنيسة، ومن المعروف أن القرون الوسطى شهدت تعاظم نفوذ الكنيسة ومارست أبشع وسائل التصفية المذهبية والعرقية ضد المسلمين في الأندلس أولا،ثم انتقل ذلك إلى الأوربيين أنفسهم، وأصبحت الكنيسة واجهة لظلم واضطهاد الشعوب ، وكان من ثمار ذلك الظلم قيام الحركة الإصلاحية بقيادة " مارتن لوثر"،والتي أسفرت عن انشقاق الكنيسة وظهور طائفة "البروتستانت"، ومع استمرار الظلم من قبل الكنيسة لم تجد أوروبا أمامها إلا أن تثور على الكنيسة ، بل تثور على الدين ، وتقيم حياتها بعيداً عن الدين الذي مثلته الكنيسة. فهل نشهد مرة أخرى عودة محاكم التفتيش في إيران؟؟ وهل سيفرض النظام الإيراني سياسته وبرامجه بالقوة على الشعب الإيراني؟؟ وهل ستتقلص سلطة الشعب أمام سلطة الفقيه؟؟ وهل ستقوم ثورة أخرى ضد الدين وممثليه؟؟ وهل تعود إيران إلى العلمانية مرة أخرى؟؟ وهل سنرى الشعب الإيراني الذي توحد تحت راية الخميني وأصحاب العمائم ينفضّ عن أصحاب العمائم؟؟ تساؤلات كثيرة لا نعلم جوابها، لكن الذي نعلمه أن الشعوب لا تقاوم بالظلم والجبروت، وكما يقول ابن خلدون : (الظلم مؤذن بخراب العمران وسقوط الدول) وأن الشعوب لا ترضى بحكم الظالمين حتى وإن تلبس ذلك بدعوة دينية أو فكر ديني، لأن الدين الصحيح يأبى الظلم " فالعدل أساس الملك".