كثيرًا قرأتُ، وكثيرًا سمعتً، وكثيرًا رأيتُ ممّا حدث في جدة، ركام من الخسائر البشرية، وركام من الخسائر المادية، وركام من الخسائر الأخلاقية، وركام.. ركام.. ركام. ما حدث أشبه ما يكون بمهرجان، أو مسرح يجمع ألوانًا شتّى من الأدوار، والأحاسيس، والمشاعر، والانطباعات، والتعابير. صباح حزين أبكى العيون، وأدمى القلوب. وكنتُ قد أيقنتُ أنّي غير قادرة على صياغة جملة واحدة عمّا حدث، لا وصفًا له، ولا وصفًا لآثاره، ولكني كنتُ متابعةً لما يُنشر ويُكتب على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، وأدركتُ أنّ هذا الزخم المتلاطم الأمواج، والاتجاهات لا يعني بالتأكيد أنّه يمثّل الحقيقة تمثيلاً تامًا، وأنّ جزءًا منه بحاجة إلى تحليل في الميدان الفكري والمنطقي، كما أدركتُ خطورة الوعي واللاوعي الدعائي لدى بعض الأفراد، ولكني فوجئت، بل بالأصح صُعقتُ إلى الحد الذي أخرج قلمي عن صمته أمام كارثة ككارثة العروس، عندما وقفتُ على الخسارة الأخلاقية التي ألقت بنفسها فوق الأنقاض التي يسعى الجادّون والمخلصون للتخفيف من قسوتها، والمسح بيد حانية على آثارها المؤلمة، إنها الخسارة التي تفوق ما عداها من الخسائر، سطور مظلمة اختبأ خلف سواد حروفها صنّاع الكارثة، على اختلاف درجاتهم، وصفاتهم، واصطف معهم مَن هو أشد منهم سوادًا وعتامةً، وارتفع صوته الجائر ليصرّح بأن عملية المحاسبة ستجد ثغرات كثيرة يتسلل من خلالها خفافيش المادة؛ ليصلوا إلى ساحة البراءة، وأعلن بفخر شديد أنّه، وفي قضية مماثلة، سار مع موكله على بر اعتقد أنّه آمنًا، وظن أنّ براءة الدنيا هي آخر محطات العبد، برّأه لا لأنّ أدلة براءته مكتملة، ولا لأن الحقيقة كانت في لحظة غائبة عن عبقريته، برّأه بدعوى الثغرات التي تسمح بغياب الضمائر، ومن ثم موتها، وتتسع لخيانة العهد والميثاق، وتتجاوز عن الظلم والجور تحت أي شعار، تمنيتُ لو أنّه سكت، فأيّ ضمير بين جنبيه يحمل؟! وأيّ حقيقة على الملأ يعلن؟! ويحاول الزمن يومًا بعد يوم مداواة جراحنا، وتزويدنا بكم من الرضا يجعلنا نواصل رحلة الحياة، قد نفقد الأموال، وتحت الشعار الرباني (ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)، نواصل رحلة الحياة، ولكن عندما نفقد الأخلاق، فإنّ شيئًا ما يحدث، يغيّر معنى الحياة، ويشوّه صورتها.