قال امرؤ القيس في عجز بيته الشهير:‘‘كجلمود صخرٍ حطّهُ السيل من علٍ''. والجلمود الذي أسقطه سيل يوم التروية بجدة، هو زيف اعتقادنا بما يتحلى به كثيرون منّا من ذرى المثالية، وشامخات الأخلاق الإسلامية. ولكن طرفة قال منذ عهد الجاهلية:‘‘ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً''. وقد أبدت لنا مدى الفساد المستشري في أجهزة حكومية عديدة، وفي القطاع الخاص، وعند الذين حُمّلوا أمانة مناصبهم، ومسؤوليات وظائفهم. وهذه هي مهمة لجنة تقصي الحقائق التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله، والتي ينتظر الناس نتائجها لتنصف البريء، ولتوقع العقوبة بالذي نكث العهد، فغاص في مستنقع الفساد. ولكن المفاجأة المؤلمة، أن عدداً كبيراً من الذين أصابَهم الضُرّ في كارثة السيل، وطالبوا بالضرب بيد من حديد على المفسدين، خيبوا الأمل فيهم، وفي اعتقادنا البريء في رفعة شمائلهم. ولنتأمل بعض الصور الدالة على ذلك. مع ملاحظة أن أبطالها بالعشرات وليسوا أفراداً قد ندّعي أنّهم شاذون عن القاعدة. • لم تجف آثار السيل، ولم تنتشل جميع الجثث؛ فاعتدى سارقو الأراضي بمعداتِهم لتسويرها، حتى في مجاري السيل. • حسد بعضهم بعضاً في تعويض المليون الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين للشهيد، حتى أن أخاً كتم بعض المعلومات عن الجهات المختصة، لكيلا يأخذ شقيقه التعويض عن ابنته الشهيدة. وادعى بعضهم فقد شهيدهم عدة مرات، ليحصلوا على عدة ملايين. وادعى بعضهم موتى سابقين لهم – منهم آباؤهم وأمهاتُهم – ماتوا قبل السيل، بأنّهم ماتوا فيه. وزوّر كثيرون في الأسماء والأعداد والأوراق. • سلب أشخاص ممتلكات الغير سواء كانت في البيوت أو البقالات أو غيرها. • تجرّد بعضهم من الإنسانية، أثناء السيل، فرفضوا إنقاذ آخرين – منهم عجزة وكبار سن – إلا بمقابل مادي. وبعد السيل، اعترض آخرون إغاثة غير السعوديين . هل نحن حقاً بِهذه الصورة من البشاعة؟ 026821426 فاكس [email protected]