في الوقت التي شهدت فيه جدة أمطارا وسيولا خلال الفترة الماضية، طالت الناس والأهالي داخل بيوتهم، كان المواطن محمد (ج. ف) الذي تخطى الاربعينيات من عمره، يحاول اتقاء تلك الامطار بخيمة بالية نصبها في ركن منزوي داخل حوش مهجور بحي الزهرة المجاور لمبنى جمعية البر الخيرية. كان محمد يقاوم في تلك الخيمة البالية رجفات البرد ومياه المطر، ببعض الأسمال ومحاولة الانكماش في هذا الخلاء الموحش. ورغم ظهور هذا الحال المزري لكل من يرى، إلا أن أحدا لم يمد له يد العون سوى شاب سعودي لم تسعفه هو الآخر ظروفه المادية البسيطة سوى بتقديم الوجبات الغذائية لهذا المواطن الفقير وأسرته، ومحاولة إيصال معاناته للمسئولين من خلال "المدينة" التي ذهبت للموقع والتقت بالمواطن المذكور. أبناء وبنات ومن الوهلة الأولى، لم يكن صعبا أن نعرف أن رصيد هذا الشاب الوحيد هو كرامته، التي يبدو وكأنها كانت العائق الرئيس الذي يعترض طريقه في تحقيق طموحات وأحلام ابنائه وبناته الاربعة وزوجته، والذي آثر تركهم في ضيافة والدته بغرفة وحيدة، على العيش معه بخيمته البالية المفتوحة على مصراعيها خوفا من نظرة الغرباء. دخلنا إلى خيمة محمد ولكنه ناشدنا قبل أن نهم بتصويره وتوثيق حالته ألا نذكر اسمه كاملا وألا تظهر ملامح وجهه، حفاظا على كرامة أبنائه، خاصة أن لديه ابنة في الثامنة عشر من عمرها، وابن على مقاعد الدارسة المتوسطة، أما أصغرهم فلم يزل رضيعا. سنوات من المعاناة سألناه عن سبب وجوده في هذا المكان، وما الذي أوصله لتلك الحالة، فأجاب باكيا: أسألوا أمانة جدة التي تقدمت لها بطلب منحة منذ 1418ه ولم تفعل شيئا، وأسالوا الشئون الاجتماعية التي وقفت على بابها للحصول على سكن خيري فلم يستجب أحد، واسألوا الجمعية الخيرية بجدة التي ناشدتها مساعدتي ماديا لإنتشال أسرتي من براثن العوز والحاجة، لأنني رجل مريض ومعي تقارير طبية تثبت ذلك، ولا يوجد لي أي دخل مادي ولا توجد لي املاك سوى صك شرعي بالديون التي في ذمتي والتي وصلت إلى مائة وعشرين ألف ريال، اجبرتني على الضياع وعدم القدرة على تدبير مبلغ إيجار لشقة صغيرة تأوي أسرتي. الضمان ينفي تركنا محمد، واتجهنا إلى المسئولين لنتعرف على رأيهم في تلك الحالة، وما قاله محمد عن عدم اكتراث أي منهم بحالته، وما يملكه من أوراق تثبت ذلك، فقال مدير الضمان الاجتماعي بمنطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي في رده على اتصال "المدينة" بانه لا صحة لذلك، مؤكدا أن الضمان الاجتماعي يقدم مساعدات مالية لمثل هذه الحالات إذا لم يكن عنده وظيفة او دخل، مضيفا: انه مادام قد اعطيناه ورقة مراجعة فهو لا محالة مسجل لدينا.. ورفض آل طاوي الاسترسال في حديثه مؤكدا ضرورة الكتابة إليه رسميا بخصوص الحالة، أو المرور عليه للإطلاع على الإثباتات والتأكد من صحتها. جمعية البر تستغرب ومن الضمان إلى الأمانة، حيث حاولنا الاتصال أو التعرف على رأي أحد المسؤولين في أسباب عدم مساعدتهم لهذا المواطن، ولكن كالعادة، لا أحد يرد في الأمانة على الاتصال.ومن جانب آخر، حاولنا التعرف على رأي جمعية البر الخيرية بجدة، والتي يقيم محمد بالقرب من أحد أسوارها، فأكد محمود باقيس مدير الجمعية أنهم سيقومون بمعاينة حالة المواطن المذكور على الطبيعة، حيث طلب من "المدينة" تزويده بمكان وجود المواطن المذكور، وبيانات مراجعته للجمعية، وأبدى باقيس استغرابه من أن كرت المراجعة يحمل تاريخ عام 1426ه، مؤكدا بأنه سيتم الرجوع إلى معاملة المواطن المذكور من خلال رقمها لمعرفة ماذا صار حيالها، وسيتم تزويدنا بجميع التفاصيل في وقت لاحق.