يبدو مشهدنا الثقافي والفكري في الفترة الاخيرة مخيفاً جداً عند النظر اليه من خارج الاطار، فما يحدث فيه من تجاذبات في مختلف المواضيع والقضايا التي تم اثارتها يتعدى مسألة الانفتاح وعرض الرأي والرأي الآخر، لقد اصبحنا نرى مماحكات فكرية ومحاولات اقصاء حقيقية يمارسها اصحاب القناعات الفكرية المختلفة، حتى وصل الأمر لمحاولة اصطياد الزلات هنا وهناك وتوظيف مختلف الاحداث توظيفاً دنيئاً في معظم الحالات ومتسرعاً في حالات أخرى، ليعلو ال “مع” وال “ضد” ويغيب تماما صوت المنطق في كل قضية على حدة. في ظل هذا الوضع تغيب تماما أي مبادرات أو مشاركات مباشرة لمؤسسات المجتمع المدني الرسمية والاهلية إلا إن كانت مشاركة سلبية، حيث وجدت من واقع احتكاكي المباشر على سبيل المثال بالمؤسسات الاعلامية ومتابعتي لها انها لا تبحث الا عن الصوت الاكثر انفعالية وتطرفاً لتكسب به مزيداً من الصخب والاثارة التي تبحث عنها في النهاية وإن عرضت مختلف وجهات النظر “المتطرفة” بدعوى الرأي والرأي الآخر والمهنية الاعلامية، الا انها تتغافل - جهلاً أو عمداً- ان دورها كمؤسسات مجتمع مدني يتعدى من الناحية المهنية عرض الآراء المختلفة الى صناعة ثقافة الحوار الحضاري الحقيقي، وبالتالي كم تمنيت ان نرى كما في بعض دول الجوار - ولن اسمي تجارب بعينها حتى لا نصاب بالاحباط عند مقارنة وضعنا بما وصلوا اليه - ندوات مفتوحة ترعاها المؤسسات الاعلامية وتدعمها المؤسسات الحكومية وتكون المشاركة فيها مفتوحة ومتزنة وبعيدة عن التحيز للاسماء الأعلى صوتاً والتي احتكرت كل المنابر المتاحة على قلتها. فالندوة المفتوحة والمباشرة تعطي الفرد العادي حق المشاركة والقدرة الحقيقية على الاستماع الكامل لكل وجهات النظر بتفصيل والقدوة على الحكم والتقدير والتقرير بعيداً عن ثقافة التحيز المطلق لاتجاه وصوت واحد على الدوام، والندوة المفتوحة مهما بلغت حدة الاختلاف فيها ستجبر المشاركين فيها بقدر اكبر من الالتزام الاخلاقي تجاه الطرف الاخر ولو من باب الخجل من الجمهور الحاضر، بعكس ما يفرزه الحوار المفترض عبر اسماء مستسعارة - او حتى حقيقة احياناً - في صفحات وقنوات الانترنت من فرض المزيد من التعصب للرأي وشخصنة اي فكرة جديدة او مخالفة لفكر المتلقي وتجاوز كل القيم والاخلاق عبر الاستهزاء والطعن في عقيدة المخالف وتوجهاته. الندوات المفتوحة هي أولى الخطوات نحو إزالة أدبيات الاقصاء التي يبدو انها تجذرت في ثقافتنا وعقولنا الواعية واللا واعية والتي قد تؤدي في المستقبل الى ما لا تحمد عقباه في كل الاتجاهات.